التفاسير

< >
عرض

وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ
٢٥
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ
٢٦
فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٧
ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ
٢٨
وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ
٢٩
-فصلت

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله: { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ } [فصلت: 25] يشير إلى أنه تعالى إذا أراد بعبد سوء قيض له إخوان وقرناء شرهم الأضداد لهم فيما رموا، وإذا أراد بعبد خيراً قيض له قرناء خيراً يعينونه على الطاعة، ويحملونه عليها، ويدعونه إليها، وإذا كان إخوان سوء يحملونه على المخالفات ويدعونه إليها ومن ذلك الشيطان، فإنه مقيض على الإنسان مسلط يوسوس إليه بالمخالفات، وشر من ذلك النفس الأمارة بالسوء، وبئس القرين النفس تدعو اليوم إلى ما فيه هلاكها وهلاك العبد، وتشهد غداً عليه بما دعته إليه، وشر قرين للمرء نفسه، ثم الشياطين، ثم شياطين الإنس { فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } [فصلت: 25] من طول الأمل { وَمَا خَلْفَهُمْ } [فصلت: 25] من نسيان الزلل، والتسويف في التوبة، والتقصير في الطاعة { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } [فصلت: 25] بالتقدير الأزلي { فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [فصلت: 25] بالشقاوة، { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } [فصلت: 25] بإفساد استعدادهم الفطري.
ثم أخبر عن أحوال أهل الكفر ومقالهم بقوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [فصلت: 26] يشير إلى طبيعة النفوس المتمردة الأمارة بالسوء إن من شأنها: انتشار الهواجس النفسانية، وإلقاء الخواطر المنتسبة من الأوصاف الحيوانية، وإثارة الوساوس الشيطانية والهجو من الكلام، وإنشاء اللغو والباطل، وحديث النفس على الدوام اشتغالاً للقلوب بها عن استماع الإلهامات الربانية والإشارات الوحدانية؛ لعلها تغلب على القلوب والأرواح، وتسلب العقول والأفهام، ولم تعلم أن القلوب التي نورت بالإيمان وأبدت بعواطف الإحسان، والأرواح التي كوشفت بعوارف الحرمان ولطائف العيان؛ فهي التي شرفت بسماع أسرار الغيب المبرأة عن الريب، والقلوب التي هي في ظلمات جهلها لا يدخل الإيمان فيها، ولا يباشر السماع سرها.
وبقوله: { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً } [فصلت: 27] يشير إلى أنه تعالى إذا تجلى على النفوس الكافرة يعذبها بها عذاباً شديداً يؤدي إلى إفنائها، ثم قال: { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [فصلت: 27]؛ أي: نجزي النفوس بسطوة نار نور التجلي عند احتراق صفاتها وإفناء ذواتها، { أَسْوَأَ } ما كانت تعمل في شغل القلوب عن استماع كلام الحق، { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ } [فصلت: 28]؛ أي: النفوس المتمردة، { ٱلنَّارُ } [فصلت: 28] نار أنوار التجلي { لَهُمْ فِيهَا } [فصلت: 28] ما يشاءون، { دَارُ الخُلْدِ } [فصلت: 28]؛ أي: بدوام التجلي في مقام التمكن { جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا } [فصلت: 28] من شواهد الحق { يَجْحَدُونَ } [فصلت: 28] ينكرونها لئلا يصل إلى القلوب.
وبقوله: { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا } [فصلت: 29] يشير إلى أن النفوس إذا فنيت عن أوصافها بنار أنوار التجلي، وذاقت حلاوة الشرب تلتمس من ربها اطلاعها على بقايا الأوصاف الشيطانية والحيوانية التي جبلت النفوس عليها؛ ليمكنها منها، فتجعلها تحت أقدام جهة لإفنائها فيعلوا بها إلى مقامات القرب، كما قال تعالى:
{ { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [الفجر: 28] وذلك قوله: { أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } [فصلت: 29]؛ أي: ليكونا من الأعلين إذا كانا تحت أقدامنا.