التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
٢٣
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٢٤
وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
٢٥
وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
٢٦
-الشورى

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ ذَلِكَ } [الشورى: 23] الفضل الكبير { ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [الشور ى: 23] به فضل من الله، والنبي صلى الله عليه وسلم مبشر به بأن الله يبشرهم على لسانه، { قُل } يا محمد { لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } [الشورى: 23]؛ أي: على التبشير { أَجْراً } [الشورى: 23]؛ لأن الله ليس يطلب منكم على الفضل عوضاً، فأنا أيضاً لا أسألكم على التبشير أجراً، فإن المؤمن أخذ من الله خلقاً حسناً، فكما أن الله تعالى بفضله يوفق العبد للإيمان ويعطي الثواب لمن آمن به وليس يرضي بأن يعطيك فضله مجاناً؛ بل يعطيك عليه أجراً، كذلك ليس يرضى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يطلب أجراً على التبليغ والتبشير؛ بل يشفع ذلك.
وقوله: { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } [الشورى: 23] ذلك أيضاً ليثبت الله قلبك على المحبة في الله، وهو أن توّد من يتقرب إلى الله بالطاعة، { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } [الشورى: 23] بالتضعيف والتوفيق لمثلها والإخلاص فيها، وبزيادة لا يصل العبد إليها بوسعه مما يدخل تحت طوف البشر، { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } [الشورى: 23] للمقصرين على الطاعة برحمته، { شَكُورٌ } [الشورى: 23] للموفرين في الطاعة فوق استطاعتهم فيها، { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } [الشورى: 24]؛ أي: أنك إن افتريته ختم الله على قلبك ولكنك لم تكذب على ربك، ولو كنت تكذب على ربك لختم على قلبك، { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } [الشورى: 24]؛ أي: الكذب { وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } [الشورى: 24]؛ أي: الصدق، { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الشورى: 24] ومعنى الآية: إن الله يتصرف في عباده بما يشاء من إبعاد قريب وإدناء بعيد.
ثم أخبر عن قبول التوبة وعفو السيئة بقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [الشورى: 25] يشير إلى أن الله تعالى إذا أراد أن يتوب على عبد من عباده ليرجع من أسفل سافلين البعد إلى أعلى عليين القرب يخلصه عن رق عبودية ما سواه بتصرف جذبات العناية، ثم يوفقه للرجوع إلى الحضرة، ويقبل منه الرجوع بالتقرب إليه كما قال:
"من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً" ؛ أي: من تقرب إلي شبراً بالتوبة تقربت إليه ذراعاً بالقبول، ولو لم يكن القبول سابقاً على التوبة لما تاب، كما قال بعضهم لبعض المشايخ: أن أتوب إلى الله هل يقبلني، قال: إن يقبلك الله تتوب إليه، { وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ } [الشورى: 25]؛ أي: يعفو عن كثير من الذنوب التي لا يطلع العبد عليها ليتوب عنها، وأيضاً يعفو عن كثير من الذنوب قبل التوبة ليصير العبد به قابلاً للتوبة وإلا لما تاب، { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [الشورى: 25] من السيئات والحسنات مما لا يعلمون إنها من السيئات والحسنات، فبتلك الحسنات يعفو عن السيئات، { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [الشورى: 26]؛ يعني: ويعطيهم الثواب في الآخرة ويجيبهم ما سألوه { وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ } [الشورى: 26] بهذه الزيادة يشير إلى الرؤية، فإن الجنات ونعيمها مخلوقة تقع في مقابلة مخلوق مثلها، وهو عمل العبد والرؤية مما يتعلق بالقديم فلا تقع إلا في مقابلة القديم، وهو الفضل الرباني كقوله تعالى: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26]؛ أي: للذين أحسنوا بالإيمان والعمل الصالح لهم الجنان ونعيمها، والزيادة هي الرؤية التي من فضل الله يؤتيها من يشاء، ولما ذكر أنه تعالى يقبل توبة التائبين ومن لم يتب يغفر ذلتهم، والمطيعون يدخلهم الجنة، فلعل يخطر ببال أحدهم أن هذه النار فلمن هي؟ قال تعالى: { وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } [الشورى: 26] فلعل خطر ببالهم أن العصاة من المؤمنين لا عذاب لهم فقال الله: { وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } [الشورى: 26] فدليل الخطاب: إن المؤمنين لهم عذاب ولكن ليس بشديد، ثم إن العبد لم يتب خوفاً من النار ولا طمعاً في الجنة، لكان في حقه أن يتوب ليقبل الحق سبحانه، ثم إن العاصي يكون أبداً منكسر القلب فإذا علم أن الله يقبل الطاعة من المطيعين يتمنى أن له طاعة يسيرة ليقبلها الله فيقول الحق: عبدي، إذ لم تكن لك طاعة تصلح للقبول فلك توبة إن أتيت بها تصلح لقبولنا.