التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ
٣٨
وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ
٣٩
أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٤٠
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ
٤١
أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ
٤٢
فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٤٣
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ
٤٤
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ
٤٥
-الزخرف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا } [الزخرف: 38] حين انكشف غطاء الحجب عن بصره بهبوب نفحات ألطافه بيَّن خيانة قرينه وندم على صحبته، { قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } [الزخرف: 38] وهذه الندامة لا تنفع لمن فاته الوقت وأدركه المقت بشؤم قرينه السوء، كما قال تعالى: { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [الزخرف: 39] التابع والمتبوع من أهل الأهواء والبدع.
وبقوله: { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الزخرف: 40] يشير إلى أن من شددنا بصيرته ولبسنا عليه رشده، ومن صببنا في مسامع قلبه رصاص الشقاء والحرمان لا يمكنك يا محمد مع كمال نبوتك هدايته، وإسماعه في عين عنايتنا السابقة ورعايتنا اللاحقة، وبقوله: { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } [الزخرف: 41]، { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } [الزخرف: 42] يشير إلى تسلية النبي صلى الله عليه وسلم إنه تعالى ينتقم من أعدائه ونمكريه إما في حال حياته وإما بعد وفاته، وإنه لقادر على الانتقام منهم بواسطة كما كان يوم بدر، وبغير واسطة كما كان في زمان أبي بكر رضي الله عنه وغيره، فبذلك أشبه على حد الخوف والرجاء ووفقه عل وصف التجريد لاستبداده على الغيب، وكذلك المقصود في أمر كل أحد أن يكون من جملة نظارة التقدير ويفعل الله ما يريد، ثم قال: { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ } [الزخرف: 43]؛ أي: فاعتصم بالقرآن فإنه حبل الله المتين بأن تتخلق بخلقه، وتدور معه حيث يدور، وتقف حيث ما أمرت، وثق { إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الزخرف: 43] تصل به إلى حضرة جلالنا، { وَإِنَّهُ } [الزخرف: 44]؛ أي: القرآن { لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44] به شرف الوصول لك وبمتابعتك، { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } [الزخرف: 44] عن هذا الشرف والكرامة هل أديتم حقه وقمتم بأداء شكره سعياً في طلب الوصال والوصول، أم ضيعتم حقه وجعلتموه وسيلة الاستنزال إلى الدرك الأسفل، بصرفه في تحصيل المنافع الدنياوية والمطالب النفسانية؟ وبقوله: { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45] يشير إلى أن بعثة جميع الرسل كانت على
{ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } [يوسف: 40] مع الله إلهاً آخر من النفس والهوى والشيطان، أو شيء من الدنيا والآخرة كقوله: { { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [البينة: 5]؛ أي: ليقصدوه فإنه المقصود، ويطلبوه فإنه المطلوب والمحبوب والمعبود.