التفاسير

< >
عرض

فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ
٢٩
وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ
٣٠
مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ
٣١
وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
٣٢
وَآتَيْنَاهُم مِّنَ ٱلآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ
٣٣
إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ
٣٤
إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ
٣٥
فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٣٦
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ
٣٧
وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ
٣٨
مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٩
-الدخان

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله: { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ } [الدخان: 29]، يشير إلى أن سماء الأرواح وأرض الأشباح إنما تبكي على النفس وصفاتها؛ إذ لم تستعد بتبدل الأخلاق، ولم تفن في صفاته، { وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } [الدخان: 29] لنيل هذه السعادة العظمى.
{ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [الدخان: 30]؛ أي: القلب وصفاته { مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } [الدخان: 30]، الذي يصل إليهم { مِن فِرْعَوْنَ } النفس، { إِنَّهُ كَانَ عَالِياً } [الدخان: 31]؛ أي: مرتبة علية { مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } [الدخان: 31]، الذين أسرفوا على أنفسهم بالظلم والعدوان، { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ } [الدخان: 32] من التقديرات الأزلية { عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } [الدخان: 32]، ولو لم يخترهم ما كان لهم الخيرة أن يكونوا غالبين على فرعون النفس وصفاتها، { وَآتَيْنَاهُم } [الدخان: 33]؛ يعني: للقلب وصفاته { مِّنَ ٱلآيَاتِ } [الدخان: 33]؛ أي: التجليات { مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ } [الدخان: 33] لهلاك فرعون النفس وصفاتها في الإفناء.
ثم أخبر عن مقالة منكري الحشر والنشر بقوله تعالى: { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } [الدخان: 34-35]، يشير إلى أن من غلب عليه الحس، ولم يكن له عين القلب مفتوحة؛ ليطالع ببصر بصيرته عالم الغيب وهو الآخرة لا يؤمن إلا بما يريه بصر الجسد؛ ولهذا أنكروا البعث والنشور؛ إذ لم يكن لهم مشاهد إلا نظر حسهم، وقال: { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا } [الدخان: 36]؛ أي: أحيوهم حتى نراهم بنظر الحس ونستخبر عنهم أحوالهم بعد الموت، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الدخان: 36] فيما تدعون من البعث.
ثم هددهم بالهلاك فقال: { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } [الدخان: 37]، وهو ملك اليمن، وكانوا قوم فيهم كثرة وتبع كان مسلماً، فأهلك الله قومه على كثرة عددهم وكمال قوتهم، { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [الدخان: 38] من الأمم { أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } [الدخان: 38] مستحقين للهلاك.
وبقوله: { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } [الدخان: 38]، يشير إلى السماوات والأرض الأشباح، وما بينهما من القلوب والأسرار والنفوس، وإنها صدق درة المعرفة، دليله قوله تعالى:
{ { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] أي ليعرفون وهذا تحقيق قوله: { مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [الدخان: 39]؛ أي: ما خلقناهما إلا مرآة قابلة لظهور صفات الحق، كما قال: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [فصلت: 53].
وبقوله: { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [الدخان: 39]، يشير إلى أن مرآة قلب أكثرهم مكدرة بصدأ صفات البشرية، وهم لا يعلمون أنهم مرآة لظهور صفاتها فيها.