التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ
٢
إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ
٣
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ
٤
أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
٥
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦
رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ
٧
لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
٨
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ
٩
فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ
١٠
-الدخان

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [الدخان آية 1-2]، يشير بالحاء إلى حاء حقيقته، بالميم إلى ميم محبته ومعناه: بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم المبين لهم، أن لا أعذب أهل محبتي بفرقتي، { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } [الدخان: 3] ليلة ذات بركة وقدر؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشد الليالي بركةً وقدراً ليلة يكون العبد فيها حاضراً ببقائه، مشاهداً لربه، يتنعم بأنوار الوصلة ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة كما قالوا:

لا أظلم الليل ولا أدّعي إن نجوم الليل ليست تغورْ
ليلي كما شأت فإن لم تجد طال وإن جادت فليلي قصير

{ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } [الدخان: 3] للطالبين المشتاقين؛ لئلا يقطع عليهم طريق الوصلة قواطع الكونين، { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان: 4]؛ أي: يفصل في هذه الليلة كل أمر صادر بالحكمة من السماء في السنة من أقسام الحوادث في الخير والشر، والمحن والمنن، والنصرة والهزيمة، والخصب والقحط، ولهؤلاء القوم من الحجب والجذب، والوصل والفصل، والوفاق والخلاف، والتوفيق والخذلان، والقبض والبسط، والستر والتجلي منك، بين عبد ينزل له الحكم والقضاء بالشقاء والبعد، وآخر نزل حكمه بالوفاء والدقة، { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ } [الدخان: 5] نازلاً بالحكمة البالغة منا، { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } [الدخان: 5] محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [الدخان: 6]؛ ليخرج المشتاقين من ظلمات المفارقة إلى نور المواصلة، وأيضاً { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } رحمة لنفوس أوليائنا بالتوفيق، ولقلوبهم بالتحقيق، { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } [الدخان: 6] لأنين المشتاقين، { ٱلْعَلِيمُ } [الدخان: 6] بحنين المحبين، { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [الدخان: 7] سماوات الأرواح، { وَٱلأَرْضِ } [الدخان: 7] أرض الأشباح، { وَمَا بَيْنَهُمَآ } [الدخان: 7] من القلوب والأسرار والنفوس، ويدخل فيه مكاسب العباد فإنه يملكها بمعنى قدرته عليها، وإذا حصل مقدوره في الوجود دل على أنه مفعوله؛ لأن معنى الفعل مقدور وجد من فاعل، { إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } [الدخان: 7]، { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [الدخان: 8]؛ أي: لا يتصرف في الإيجاد والتغيير في حال إلى إلا هو، { يُحْيِـي } [الدخان: 8] قلوب أوليائه بنور محبته وتجلي صفات جماله، { وَيُمِيتُ } [الدخان: 8] نفوسهم بتجلي صفات جلاله، { رَبُّكُمْ } [الدخان: 8] أو رب آدم وأولاده، { وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } [الدخان: 8]؛ أي: رب آباء العلوية، { بَلْ هُمْ } [الدخان: 9] هذا خطاب الغائبين؛ أي: أهل الغيبة { فِي شَكٍّ } [الدخان: 9]؛ لغيبتهم عن الحق، { يَلْعَبُونَ } [الدخان: 9] وصف أهل الشك والنفاق باللعب وذلك لترددهم وتجرئهم في أمر الدين، واشتغالهم بالدنيا، واغترارهم بزينتهما.
وبقوله: { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } [الدخان: 10]، يشير إلى مراقبة سماء القلب عن تصاعد دخان أوصاف البشرية.