التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ
٣٠
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ
٣١
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ
٣٢
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ
٣٣
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ
٣٤
-محمد

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وقال: { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ } [محمد: 30]، بإراءته الحق تعالى إياه، وقال: { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } [محمد: 30]؛ أي: في معنى الخطاب؛ لأنك تنظر بنور الله فترى منشأ كلامهم، فيخبرك سرائرهم عن ضمائرهم، وأن الأسرة لتدل على السريرة؛ فالمؤمن ينظر بنور الفراسة، والعارف ينظر بنور التحقيق، والنبي ينظر بالله فلا يستتر عليه شيء، { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } [محمد: 30] إنها صادرة بخباثة نياتكم.
وبقوله: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ } [محمد: 31]، يشير إلى أن البلاء مخلص إبريز الولاء، كما قيل: البلاء للولاء كاللهب للذهب، فإن بالابتلاء والامتحان يتبين جواهر الرجال؛ فيظهر المخلص، ويفضح المارق، وينكشف المنافق، ويتميز الموافق، وعند الامتحان يكرم الرجل أو يهان.
وفي قوله تعالى: { وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } [محمد: 31]، إشارة إلى أننا نعلمكم، ونكشف لكم من المجاهد الصابر منكم، وبالابتلاء نخبركم عن جواهركم أنها من السعداء والأشقياء، وإلا نحن عالمون بخالص جواهركم من الأزل إلى الأبد؛ لأنا خلقناها على أوصافها،
{ { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الملك: 14]، فيتغير أحوال جواهركم في الأمة، فإن المختلفة لا تظنوا تغير علمنا، فإذا يراكم في حالة واحدة، وتغيرات أحوالكم كلها كما هي؛ بحيث لا يشغلنا حالة عن حالة.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [محمد: 32]؛ أي: أنكروا بعد أن أقروا، وقطعوا الطريق على الطالبين، { وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } [محمد: 32] بشواهد الحق، فلم يعرفوا قدرها ولم يؤدوا حقها، أخذوا بكفران النعمة وأمهلوا بالخذلان فتقاعدوا عن الخدمة، { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } [محمد: 32]، وإنما أضروا بأنفسهم { وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } [محمد: 32]، لا ينتفعون بها في الدارين.
ثم أخبر عن الطاعة بقدر الاستطاعة بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } [محمد: 33]، يشير إلى أن عمل وطاعة لم يكن بأمر الله وسنة رسوله، فهو باطل لم يكن له ثمرة؛ لأنه صدر عن الطبع والطبع ظلماني، وإنما جاء الشرع وهو نوراني؛ ليزيل ظلمة الطبع بنور الشرع، فيكون ثمراً وثمرته أن يخرجكم من الظلمات إلى النور؛ أي: من ظلمات الطبع إلى نور الحق.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [محمد: 34] من النفوس المتمردة، { وَصَدُّواْ } [محمد: 34]، القلوب { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [محمد: 34] وطلبه، { ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } [محمد: 34] على طبيعتهم، { فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } [محمد: 34] في الآخرة؛ لأنهم ماتوا على الكفر؛ فيحشرون على ما ماتوا عليه.