وبقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح: 10]، يشير إلى كمال فناء وجوده صلى الله عليه وسلم في الله وبقائه بالله، فوقع بهذا المعنى بقوله: { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ } [الفتح: 10]؛ أي: عقد هذه البيعة مع الله، { فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } [الفتح: 10] بالحرمان من هذه السعادة العظمى، { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ } [الفتح: 10]، فكذلك صرح بهذا أنه جرت البيعة والمعاهدة مع الله، { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [الفتح: 10]، بأن يرزقه عند الثبات على المتابعة.
ثم أخبر عن قول أهل اللسان بما ليس لهم في الجنان بقوله تعالى: { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ.. } [الفتح: 11] الآية، يشير إلى أن القلوب الغافلة عن الله يقولون أهلها بألسنتهم ما ليس له حقيقة ولا شعور لقلوبهم على حقيقة ما يقولون، فإنهم يقولون بالمجاز ويرون به معنى آخر كقوله: { شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [الفتح: 11]، ويريدون به اعتذاراً لتخلفهم؛ ولقولهم شغلتنا حقيقة، وذلك أن أموالهم وأهليهم شغلتهم عن ذكر الله والائتمار بأوامره، وعن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم المأمورون، { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } [الفتح: 11] وهو التخلف، { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } [الفتح: 11] وهو الإتباع، { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ } [الفتح: 11] في الأزل { بِمَا تَعْمَلُونَ } [الفتح: 11] اليوم، ولماذا تعملون بالصدق أو بالرياء، { خَبِيراً } [الفتح: 11] لا يخفى عليه شيء من الأزل إلى الأبد.