التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
{هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ} [الفتح: 28] أي: بما يهدي إلى الله {وَدِينِ ٱلْحَقِّ} أي: ديناً كاملاً وغلا كل دين حق فأما الدين الكامل في الحقيقة فدين أُرسل به محمد صلى الله عليه وسلم وهو دعوته إلى الله كما قال تعالى: { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ } [الأحزاب: 46].
وقوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ} [الفتح: 28]، يشير إلى هذا المعنى أي: كان دعوة كل نبي إلى الجنة وبهذا يقدمون أممهم فأظهره بالدعوة إلى الله على الدين كله {وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً} [الفتح: 28]، على حقيقة هذا المعنى؛ لأن العقول تحير عن إدراك هذا المعنى.
ثم خص النبي صلى الله عليه وسلم والذين معه بالتدين بهذا الدين لنيل هذه الرتبة العظمى بقوله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ} [الفتح: 29]، كفار النفوس في إفنائها أشد مما كانت الأمم عليها {رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، في التودد والتحاب في الله والتعاون في طلب الله، كما هو سنة مشايخ هذه الأمة خلفاً عن سلف في تسليك المريدين الذين يريدون وجهه {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح: 29]؛ أي: قصدهم في الطاعة والعبادة الوصول والوصال وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29]، سيمات المحبين {مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ} [الفتح: 29]، فإنهم لا يسجدون لشيء من الدنيا والعقبى إلا الله مخلصين له الدين {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ} أي: ضرب الله المعنى مثلهم في التوراة {وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} أي: مثل طلاب الحق تعالى كمثل زرع أي: كنبات مثمرة أخرج فراخه {فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ} حتى استعد لحمل الثمرة {فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ} أي: أثمر {يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ} أي: الطلاب ثمرة شجرة وجوده وهي قول بعضهم أنا الحق وقول بعضهم سبحاني ما أعظم شأني {لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ} كفار النفوس لأن شجرتهم غير مثمرة معدة لنار جحيم القطيعة {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} [الفتح: 29]، إيمان الطلب {وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ} [الفتح: 29] في السلوك والسير إلى الله {مِنْهُم مَّغْفِرَةً} [الفتح: 29] وهي ستر أوصافهم بتجلي صفاته، {وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح: 29]، وهو يتجلى لهم بذاته وصفاته العظمى؛ فإن العظيم الحقيقي هو الله، وقوله: {مِنْهُم}؛ لأن كل مؤمن ليس موعوداً بهذا الوعد إلا خواص أهل الجنة.