التفاسير

< >
عرض

وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً
٦
وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
٧
إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً
٨
لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
٩
-الفتح

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ } [الفتح: 6] بذل الحجاب وسوء العقاب في الدارين، { ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } [الفتح: 6] في ذاته وصفاته بالأهواء والبدع، وفي أفعاله وأحكامه بالظلم والبعث، { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } [الفتح: 6]؛ أي: عاقبه بالمساءة فيما اعتقده { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } [الفتح: 6]؛ وغضبه: إرادته العقوبة لهم في الآخرة، وكون الشرك والنفاق في الدنيا، { وَلَعَنَهُمْ } [الفتح: 6]، بعدهم من فضله حق فيهم كلمته، وسبقت من الله بالشقاوة قسمة، كما قال: { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } [الفتح: 6].
{ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الفتح: 7]، به يشير إلى ما أعد الله من عظائم فضله، وعجائب صنعه في سماوات القلوب وأرض النفوس، يمد بها أولياءه وينصرهم بها على أنفسهم؛ ليفوزوا بكمال قربه، ويخذل به أعداءه ويهلكهم في أودية الأهوية؛ ليصيروا إلى كمال بعده، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً } [الفتح: 7] بذل أعدائه، { حَكِيماً } [الفتح: 7] فيما يعز أولياءه.
ثم أخبر عن سر الرسالة إلى أهل الضلالة بقوله تعالى: { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً } [الفتح: 8]، يشير إلى أنه لما كان أول مخلوق خلقه الله تعالى كان شاهداً بوحدانية الحق تعالى وربوبيته، وشاهداً بما أخرج من العدم إلى الوجود من الأرواح والنفوس والأجرام والأركان والأجسام والمعادن والنبات والحيوان والملك والجن والشيطان والإنسان، وكل ما دب فيه روح؛ لئلا يشذ عنه مما يمكن للمخلوق دركه من أسرار أفعاله، وعجائب صنعه، وغرائب قدره بحيث لا يشاركه فيه غيره؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:
"علمت ما كان وما سيكون" ؛ لأنه شاهد الكل وما غاب لحظة، وشاهد خلق آدم عليه السلام ولأجله قال صلى الله عليه وسلم: "كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد، أو كنت مخلوقاً وعالماً بأني نبي وحكم لي بالنبوة وآدم بين أن يخلق له روح ثم يخلق له جسد ولم يخلق بعد" .
واحد منهما شاهد: وأما ما جرى عليه في امتناع السجود لآدم من: الإكرام، والإخراج من الجنة بسبب المخالفة، وما تاب الله عليه ... إلى آخر ما جرى عليه.
وشاهد: خلق إبليس، وما جرى عليه من: امتناع السجود لآدم، والطرد واللعن بعد طول عبادته ووفور علمه بمخالفة أمر واحد، فحصل له بكل حادثة جرت على الأنبياء والرسل والأمم فهوم وعلوم، فلما تحصل لروحه ما أمكنه حصوله من كمال العلم، والحال لكمال الربوبية الإلهية في عالم الأرواح، أراد أن يزداد نوراً على نور، وأن يحصل كمالاً على كمال إنزال روحه في قالبه على وجه المعروف، بعدما شرفه وفضله أقصى ما يمكن من الإكرام، ثم رباه بلبان العناية في حجر الهداية، إلى أن أرسله إلى الأحمر والأسود { شَٰهِداً وَمُبَشِّراً } [الفتح: 8]، يبشر أمته أن لهم في متابعة الرتبة المحجوبة، التي هي مخصوصة به من بين سائر الأنبياء والمرسلين - عليهم السلام - { وَنَذِيراً } [الفتح: 8] لهم؛ لئلا ينقطعوا عنا شيئاً من الدارين.
{ لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ } [الفتح: 9] إيماناً حقيقياً يوجب صدق الطلب { وَرَسُولِهِ } [الفتح: 9]، إيماناً يوجب بالشرط، { وَتُعَزِّرُوهُ } [الفتح: 9] وتعينوه بصدق الطلب في المتابعة؛ لتبلغوا مقام المحبوبية، { وَتُوَقِّرُوهُ } [الفتح: 9]؛ أي: تعظموه؛ فإن بالتعبد أن يصل العبد إلى الجنة، وبالتعظيم يصل إلى الله، وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره بإتباع سنته في الظاهر والباطن، والعلم بأنه زبدة الوجودات وخلاصتها، وهو المحبوب الأزلي وما سواه تبع له.
وبقوله: { وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [الفتح: 9]، يشير إلى استغراق جميع الأوقات بالعبودية على وصف تنزيه الحق تعالى وغناه عن العالمين، ويرى العبد كل خير وطاعة يصدر منه أنه نعمة من نعيم ربه أنعم به عليه.