{ قۤ } [ق: 1]، يشير إلى أن لكل سالك من السائرين إلى الله عز وجل إلى الله مقامات في القرب، لما بلغ كل سالك إلى مقامه المقدر له يشار إليه بقوله: قاف، أو قف مكانك ولا تجاوز حدك؛ وهي: جواب القسم لقوله: { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } [ق: 1]، مجازه قف، فإن هذا مقامك والقرآن المجيد فلا تجاوز عنه.
{ بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ } [ق: 2]، الذين حرموا عن رشاش النور يوم رش عليهم من نور ربهم، فإنهم كانوا ممن أخطأهم النور، { هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } [ق: 2]؛ وذلك لأنهم لم يكونوا من السالكين السائرين إلى الله، فيعجبون من مجيء المنذر لينذرهم يوم الرشاش، ولم يتعجب من مجيء المنذر من كان له شركة معه في إصابة الرشاش؛ لأنهم عرفوه بنور الرشاش، كما قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن ينظر بنور الله" ، فلما كان الكفار بمعزل من ذلك النور، فمن عمى قلوبهم ما رأوا الآخرة وما آمنوا بالبعث، وقالوا: { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً } [ق: 3]، فبعث { ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ق: 3] عن العقول.
وبقوله: { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ } [ق: 4]، يشير إلى أن علمنا الأزلي محيط بما يجري من الأزل إلى الأبد، وبما ينقص من أجزاء كل إنسان بعد موته من الأركان الأربعة، فجزء كل عنصر منه يرجع إلى كله بإذن الله، فإذا أراد الله أن يحيي شخصاً يأمر كل عنصر ليرد جزء أحد منه إلى شخص هو منه، { وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } [ق: 4]، يحفظ كل ذرة من ذرات الموجودات؛ لئلا يضيع إلى أن خاطبناه بردها إلى مكانها.
{ بَلْ } [ق: 5] الكافرين الذين بمعزل عن نور الإيمان، { كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } [ق: 5] من عمى قلوبهم، { فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } [ق: 5] من غلبات آفات الحس والوهم والخيال على عقولهم؛ فلا يهتدون إلى الحق، ولو لم نعم قلوبهم.
{ أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [ق: 6]، سماء قلوبهم { فَوْقَهُمْ } [ق: 6]، فوق نفوسهم { كَيْفَ بَنَيْنَاهَا } [ق: 6] طبقات مختلفة، { وَزَيَّنَّاهَا } [ق: 6] بكواكب المعارف، { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } [ق: 6] بين أطباقها.
{ وَٱلأَرْضَ } [ق: 7] أرض النفوس، { مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } [ق: 7] من أوصاف البشرية، { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ } [ق: 7] من الذكور والإناث، { بَهِيجٍ } [ق: 7] به أولو الألباب.