التفاسير

< >
عرض

أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ
٢٤
مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ
٢٥
ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ
٢٦
قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ
٢٧
قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ
٢٨
مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ
٢٩
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ
٣٠
وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ
٣١

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } [ق: 24] يا سائق ويا شهيد، { كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } [ق: 24]، كل من طبع على الكفر والعناد، { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } [ق: 25]؛ إذ طبع على الشر، { مُعْتَدٍ } [ق: 25] في الظلم، { مُّرِيبٍ } [ق: 25] في الدين، { ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } [ق: 26] من الهوى والدنيا، { فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ } [ق: 26]، وهو طلب الدنيا بالحرص والغفلة.
{ قَالَ قرِينُهُ } [ق: 27]، وهو الروح العلوي، فإنه قرين نفسي السفلية: { رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ } [ق: 27]، فإنه ليس إلا طغاء وإلا غواء من شأني، { وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } [ق: 27]؛ أي: طبعت النفس على الضلالة، كما قال:
{ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } [يوسف: 53].
{ قَالَ } [ق: 28] الله تعالى: { لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } [ق: 28]، { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ } [ق: 29]؛ إذ قلت:
"هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي" ، { وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ق: 29]، بأن أرسل أهل الجنة إلى النار أو أرسل أهل النار إلى الجنة؛ لأنه ظلم والظلم وضع الشيء في غير موضعه.
وبقوله: { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ق: 30]، يشير إلى جهنم نفس الإنسان، وحرصها على الدنيا وشهواتها كلما ألقى نوع منها، ويقال لها: { هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } من أنواع الشهوات، فلا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب.
وفيه إشارة أخرى، وهي: أن الحرص الإنساني قشر محبة الله تعالى، بل هو عين المحبة، إذا كان متوجهاً إلى الدنيا وشهواتها يسمى الحرص، وإذا كان متوجهاً إلى الله تعالى وقرباته يسمى محبة؛ فاعلم أن ما زاد في الحرص نقص من المحبة، وما نقص من الحرص زاد في المحبة، وإذا اشتعلت نار المحبة فلا يسكن نائرتها بما يلقى فيها من محبوبات الدنيا والآخرة، بل يكون من حطبها ويزيد في اشتعالها، حتى:
"يضع رب العزة فيها قدمه فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، فتقول: قط.. قط" .
ثم أخبر عن حال المؤمنين المتقين بقوله: { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ق: 31]، يشير إلى جنة قلوب خواص المتقين أنها أزلفت وقربت لهم في الدنيا، بل هم في الدنيا بالأجساد وهم في الآخرة بالقلوب.
ويقال: إن الجنة تقرب من المتقين، كما أن النار تجر بالسلاسل إلى المحشر المجرمين.
ويقال: بل يقرب الجنة بأن يسهل على المتقين مسيرهم إليها، ويراد بهم الخواص من المتقين، ويقال: هم ثلاثة أصناف: قوم: يحشرون إلى الجنة مشاة، وهم الذين قال فيهم:
{ { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً } [الزمر: 71]، وهم عوام المؤمنين، وقوم: يحشرون إلى الجنة { رُكْبَاناً } [البقرة: 239] على طاعاتهم المصورة لهم بصورة حيوان، فهؤلاء هم الخواص، وأما خاص الخاص فهم: الذين قال لهم: { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } تقرب الجنة منهم، { غَيْرَ بَعِيدٍ } [ق: 31]؛ أي: الجنة غير بعيد عنهم، وهم البعداء عن الجنة { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 55].