التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ
٣٢
مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ
٣٣
ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ
٣٤
لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
٣٥
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ
٣٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
٣٧
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ
٣٨

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ويقال لهم: { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } [ق: 32]؛ { هَـٰذَا } إشارةً إلى مقعد صدق، ولو كانت الإشارة إلى الجنة لقال: هذه.
وفي الحقيقة أن موعود المتقين الموصوفين { لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } [ق: 32]، هو الراجع إلى الله في جميع أحواله لا إلى ما سواه، حافظاً لأنفاسه مع الله لا يصرفها إلا في طلب الله، وما يؤكد هذا المعنى قوله:
{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 54-55].
وأيضاً يدل عليه قوله: { مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } [ق: 33]؛ أي: بنور الغيب يشاهد شواهد الحق، فتخشى من خشيته، منه ما قال: لجباريته بل قال: لرحمانيته، والخشية من الرحمن خشية الفراق؛ ولهذا قال: { وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } [ق: 33] إلى ربه معرض عما سواه، مقبل عليه بكلية { ٱدْخُلُوهَا } [ق: 34]، يعني الجنة { بِسَلاَمٍ } [ق: 34]؛ أي: بسلامة القلب منها، { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } [ق: 34] لم يسكن إليها، بل يعبر عنها.
وبقوله: { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق: 35]، يشير إلى أن من يريدنا، ويعبر عن نعيم الجنة للوصول إلينا فيصل إلينا، ولدينا يجدنا لمزيد ما يشاءون أهل الجنة منها، وهذا كما قال:
"من كان لي كنت له ومن كنت له كان له ما كان لي" ، وقال تعالى: { { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } [الشورى: 20].
ثم أخبر عن تهديد أهل الوعيد بقوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } [ق: 36]، يشير إلى إهلاك النفوس المتمردة في القرون الماضية؛ إظهاراً لكمال القدرة والحكمة البالغة؛ لتتأدب به النفوس القابلة للخير، وتتعظ به القلوب السليمة.
كما قال تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } [ق: 37]؛ أي: قلب سليم من تعلقات الكونين، فالقلوب أربعة: قلب قاس وهو قلب الكافر، وقلب مقفول وهو قلب المنافق، وقلب مطمئن وهو قلب المؤمن، وقلب سليم وهو قلب المحبين المحبوبين، الذي هو مرآة صفات جمال الله وجلاله، كما قال:
"لا يسعني أرضي ولا سمائي، وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن" .
وقوله: { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ق: 37]؛ يعني: من لم يكن له قلب بهذه الصفة يكون له سمع يسمع بالله وهو حاضر مع الله، فيعبر عما يشير إليه الله في إظهار اللطف أو القهر.
ثم قال: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ق: 38]؛ أي: سماوات الأرواح { وَٱلأَرْضَ } [ق: 38]؛ أي: أرض الأشباح، { وَمَا بَيْنَهُمَا } [ق: 38] من النفوس والقلوب في الأسرار وسر الأسرار { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [ق: 38]؛ أي: في ستة أنواع من المخلوقات، وهي محصورة فيما ذكرناه من الأرواح والأشباح والنفوس والقلوب والأسرار وسر الأسرار، فلا مخلوق إلا وهو داخل في جملتها؛ فافهم جداً.
{ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ق: 38]؛ لأنها خلقت بإشارة أمر: { كن }، كما قال تعالى:
{ وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } [القمر: 50]، فأنى يمسه اللغوب، وأنه صمد لا يحدث في ذاته حادث.