ثم أخبر عن ضيف المكرمين غيره للمؤمنين بقوله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } [الذاريات: 24]، يشير إلى إبراهيم الروح وضيفه المكرمين تجليات صفات الجمال والجلال؛ { فَرَاغَ } [الذاريات: 26]؛ أي: إبراهيم الروح { إِلَىٰ أَهْلِهِ } [الذاريات: 26]؛ أي: إلى أوصاف بشريته، { فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } [الذاريات: 26]؛ أي: بالصفة البهيمية مشوبة بنار التجلي؛ { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ } [الذاريات: 27] تقرباً إلى الله يبذلها، { قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } [الذاريات: 27]، طلب الفناء من هذه الصفة بالكلية فما أفنوها، وما كان القصد فناؤها بالكلية؛ إنما كان القصد إزالة قوتها وشوكتها المضرة للروح.
{ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ } [الذاريات: 28]؛ أي من سطوات التجلي { خِيفَةً } [الذاريات: 28] على نفسه، { قَالُواْ لاَ تَخَفْ } [الذاريات: 28]؛ أي: إنا ما أرسلنا إلا لإصلاح ذلك وإهلاك أعدائك، { وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ } [الذاريات: 28] وهو إسحاق قلبه { عَلِيمٍ } [الذاريات: 28] بالعلم اللدني يولد له بعد هلاك أعدائه، وهم النفس وصفاتها.
{ فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ } [الذاريات: 29] وهي الروح الطبيعي { فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } [الذاريات: 29]؛ تعجباً من أن يلد عجوزاً مثلها غلاماً مثل القلب الحقيقي، { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } [الذاريات: 29] لم تلد قط كيف تلد الآن مثله، { قَالُواْ } [الذاريات: 30] التجليات بلسان الحال: { كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ } [الذاريات: 30]، إنه عليه هين { إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ } [الذاريات: 30] يحكم بمثل هذا المقتضي حكمته، { ٱلْعَلِيمُ } [الذاريات: 30] بفعل أمثاله.