التفاسير

< >
عرض

وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً
١
فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً
٢
فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً
٣
فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً
٤
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ
٥
وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ
٦
وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ
٧
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ
٨
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ
٩
قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ
١٠
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ
١١
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ
١٢
يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ
١٣
ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
١٤
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
١٥
-الذاريات

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } [الذاريات: 1]، يشير إلى الرياح [السحابية] بحمل أنين المشتاقين المتعرضين لنفحات الألطاف إلى ساحات العزة، ثم تأتي بنسيم نفحات الحق إلى مشام أسرار أهل المحبة، فيجدون راحة من غلبات اللوعة، وفي معناه أنشدوا:

وَإِنّي لأَستَهدي الرِياحَ سَلامَكُم إِذا أَقبَلَت مِن نَحوِكُم بِهُبوبِ
وَأَسأَلُها حَملَ السَلامِ إِلَيكُمُ فَإِن هِيَ يَوماً بَلَّغَت فَأَجيبي

بقوله: { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } [الذاريات: 2]، يشير إلى سحاب ألطاف الربوبية بحمل أمطار مراحم الألوهية، فيمطر على قلوب الصديقين.
وبقوله: { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } [الذاريات: 3]، يشير إلى سفن وجود المحبين المحبوبين شراعها مرفوعة إلى مهب رياح العناية؛ فتجري بها في بحر التوحيد على أيسر حال.
وبقوله: { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } [الذاريات: 4]، يشير إلى من ينزل من الملائكة المقربين؛ لتفقد أهل الوصلة وللقيام بأنواع من الأمور لأهل هذه القصة، فهؤلاء القوم يسألونهم عن أحوالهم هل عندهم خبر من فراقهم ووصالهم، ويقولون:

بربكما يا صاحبي قفا ليا أسائلكم عن حالكم فسألانيا

{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات: 5]، أيها الطالبون الصادقون في خطاب: "ألا من طلبني وجدني" { لَصَادِقٌ } [الذاريات: 5]، { وَإِنَّ ٱلدِّينَ } [الذاريات: 6]؛ أي: حقيقة الدين { لَوَٱقِعٌ } [الذاريات: 6] في جدر قلوب المجاهدين فينا وأسرار المجتهدين لنا، أن الله تعالى وعد المطيعين بالجنة، والتائبين بالمحبة، والأولياء بالقربة، والعارفين بالوصلة، والطالبين بالوجدان.
ثم جدد القسم فقال: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } [الذاريات: 7]، أشار إلى سماء القلب ذات الطرائق إلى الله عز وجل، { إِنَّكُمْ } [الذاريات: 8] أيها الطالبون الصادقون { لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } [الذاريات: 8] في الطلب؛ فمنكم من يطلب منا ما عندنا من كمالات القربات، ومنكم من يطلب منا بالدنيا من العلوم والمعارف، ومنكم من يطلبنا بجميع صفاتنا، فمن استقام على الطريقة وثبت ملازماً في طلبه لبلغ كل قاصد مقصده.
وبقوله: { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } [الذاريات: 9]، يشير إلى أن في قطاع الطريق على أرباب الطلب للكثرة، فمن يصرفه طلبه قاطع من القطاع من النفس والهوى والدنيا وزينتها وشهواتها وجاهها ونعيمها فَصُرِف؛ فقد حرم عن متمناه وأهلكه هواه، كما قيل نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وينادي عليه منادي العزة: وكم مثلها فارقتها وهي تصغر.
وبقوله: { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } [الذاريات: 10-11]، يشير إلى مدعي هذا الحدث الكذابين الذين هم في غمرة الحسبان والغرور لاهون، ومن استبطاء حصول المرام { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } [الذاريات: 12]؟ وهم في ضلالة ظلمة ليل الدنيا يستعجلون في استصباح نهار الدين، فأجابتهم عزة الجبروت عن تنق الكبرياء والعظموت، { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } [الذاريات: 13]؛ أي: على نار الشهوات { يُفْتَنُونَ } [الذاريات: 13]؛ أي: بعذاب البعد والقطيعة يعذبون.
{ ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ }؛ أي: عذاب فتنتكم التي قطعت عليكم طريق الطلب، { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ } [الذاريات: 14] تملون عن الطلب، { تَسْتَعْجِلُونَ } [الذاريات: 14] الظفر بالمقصود.
ثم أخبر عن المتقين التائبين بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } [الذاريات: 15]، يشير إلى أنهم في جنات قلوبهم، وعيون الحكمة في عاجلهم، بل في جنات الوصل وفي أجلهم في جنات الفضل، فغداً نجاة ودرجات واليوم مناجاة وقربات.