التفاسير

< >
عرض

وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٤٩
فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥٠
وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥١
كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
٥٢
أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
٥٣
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ
٥٤
-الذاريات

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله: { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [الذاريات: 49]، يشير إلى أنه تعالى خلق لكل شيء من عالم الملك وهو عالم الأجسام زوجاً بيد القدرة الإلهية، كما قال تعالى: { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [يس: 83]، بهذا الطريق للوصول والوصال.
{ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الذاريات: 49] أنكم بهذا الطريق جئتم من الحضرة ويد القدرة إلى الملكوت، ومن الملكوت إلى الملك فبهذا الطريق ترجعون إلى الله، وهو قوله: { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } [الذاريات: 50]؛ أي: يا أيها الذين فررتم من الله بتعلقات الكونين ففروا إليه بقطع التعلقات عما سواه { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ } [الذاريات: 50]، بهذا القطع { مُّبِينٌ } [الذاريات: 50] بالبراهين القاطعة.
{ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ } [الذاريات: 51] في المعرفة بوحدانية { إِلَـٰهاً آخَرَ } [الذاريات: 51] من النفس والهوى والدنيا والآخرة، فتعبدوها بالميل إليها والرغبة بها، فإن التوحيد في الإعراض عنها وقطع تعلقاتها والفرار إلى الله منها؛ لأن من صح قرآن إلى الله صح قرآن مع الله وهذا إكمال فإنه التوحيد، لا يغفر أن يشرك به.
ثم أخبر عن عادة ساداتهم في الكفر بقوله تعالى: { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [الذاريات: 52]، يشير إلى أرباب النفوس المتمردة من الأولين والآخرين، مركوزة في جبلتهم طبيعة الشيطانية من التمرد والإباء والاستكبار، فما أتاهم رسول من الأنبياء في الظاهر، ومن الإلهامات الربانية في الباطن إلا أنكروا عليه، وقالوا: { سَاحِرٌ } [الذاريات: 52] يريد أن يسحرنا، { أَوْ مَجْنُونٌ } [الذاريات: 52] لا عبرة بقوله: { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } [الذاريات: 53]، كأن بعضهم بالتمرد والإنكار والجحود؛ لأنهم خلقوا على طبيعة واحدة،، { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [الذاريات: 53] بأنهم وجدوا أسباب الطغيان، وهي: السعة والتنعم والبطر والغنى.
{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } [الذاريات: 54]، فإنك لا تهدي من أحببت منهم، { فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } [الذاريات: 54]، في العجز عن هدايتهم؛ لأنك تبلغ وليس إليك من الهداية شيء.