التفاسير

< >
عرض

إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ
١٦
مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ
١٧
لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ
١٨
أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ
١٩
وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ
٢٠
أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ
٢١
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ
٢٢
إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ
٢٣
أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ
٢٤
فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ
٢٥
وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ
٢٦
-النجم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } [النجم: 16] من نور العزة تهتدي إلى جناب الجبروت، فإذا كنت ملتفتاً على نعيم السدرة وتفرجاتها، مشتغلاً بمتنزهاتها، تحرم عما في عالم الجبروت مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فارفع الهمة كما رفع نبيك حين وصل إليها، { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [النجم: 17]؛ أي: ما زاغ بصر النبي صلى الله عليه وسلم وما التفت إلى الجنة ومزخرفاتها، ولا إلى الجحيم وتبعاتها شاخصاً بصره إلى الحق وما طغى قدمه عن الصراط المستقيم، ومازال في سيره إلى الله تعلى حتى صادقته الجذبة وأوصلته إلى عالم الجبروت.
{ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } [النجم: 18]، روى علقمة عن عبد الله؛ يعني: رأى رفرفاً خضراً أفق السماء، وهذا أقرب إلى مرادنا؛ لأن قرب يتلون بالجذبة، واللون الأخضر أخص الألوان بسر غيب الغيوب، وأشار به إلى أنه سد الأفق صحيحه في عالم المشاهدة، ومن تشرف بالجذبة يعلم صحة قول عبد الله رضي الله عنه: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 19-20]؛ يعني: أفرأيتم أيتها القوى اللات القالبية، والعزى النفسية، ومناة المنى الهوائية، إنها بنات الله؛ يعني: تظنون أن هذه اللطائف الغير المستخلصة، روائع حقيقة ونتائج إلهية وتنسبونها إلى الله بالبنية؛ لأنكم تشاهدونها بأنها لطائف، وتنظرون إلى صورتها وتظنون من حيث الصور بأنها آيات؛ لقصور علمكم بذات الحق.
{ أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } [النجم: 21] أيتها الغفلة الجاهلة، وإذ قد نسبتم اللطائف إلى الله، فكيف لبستم نسبته البنات؟ { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [النجم: 21-22]؛ أي: قسمة جائزة ناقصة غير معتدلة، أن تنسبوا إلى خالقكم ما تكرهون لأنفسكم.
{ إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم } [النجم: 23] ليس هذه { ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 19-20] من اللطائف الخفية، بل هي أباطيل أنتم كسبتموها في دار الكسب وسميتموها بهذه الأسماء، وآباءكم كسبوا هذه الاستعدادات الباطلة؛ يعني: أنفسكم الأمارة وأرواحكم المتدنسة بتربية القالب الغير المزكى عن الأخلاق الردية، كسبوا هذه اللطائف الباطلة وسموها آلهة { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } [النجم: 23] ما أنزل بهذه الاستعدادات من قوة حقيقة يكون لكم حجة وبرهاناً على أنها ذات حظ من القوى الخفية، { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } [النجم: 23]؛ يعني: القوى القالبية والنفسية الكاذبة الفاجرة الأمارة بالسوء، لا يقولون هذا القول إلا بالظن وليس لهم برهان على ما يزعمون إلا هو أنفسهم، { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } [النجم: 23]؛ يعني: بيان طريق الحق على لسان اللطيفة الخفية، واللطائف الخفية وأخواتها المستخلصة عن الأباطيل المزكاة عن الأضاليل.
{ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } [النجم: 24]؛ يعني أيظن الإنسان الغافل الجاهل أن ينفعه التوجه إلى آلهة هواه غداً عنده مولاه، { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } [النجم: 25]؛ أي: ليس كما نطق الغافل الجاهل أن عبادة آلهة هواه تنفعه في الآخرة بنعيم الباقي، وفي الأولى يذوق ثمرات المعرفة؛ التي هي
{ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [الواقعة: 33]؛ لأن الآخرة والأولى ملكاً وملكاً، { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [النجم: 26]؛ أي: كم قوى في سماوات أطوار القلب { لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ } [النجم: 26] في الشفاعة، { لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } [النجم: 26] في العلم القديم به خير، ويرى عن عمله الصالح في الدنيا، فما ظنكم بالقوى القالبية والنفسية أنها مع كدوراتها يقدر على شفاعتكم من غير الإذن من الله، وحصول الإذن لا يمكن لأحد إلى لمن يشاء ويرضى.