التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ
٣٢
أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ
٣٣
وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ
٣٤
أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ
٣٥
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ
٣٦
وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ
٣٧
أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ
٣٨
وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ
٣٩
-النجم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } [النجم: 32] يحذرون من الكفر بالله والشرك به؛ لأنها من الكبائر، وترك طاعته كسالة ورجاء المغفرة وهو من الفواحش، إلا اللمم إذ الإنسان خلق من الأضداد فلا يمكن له الاحتراز عن اللمم، وهو لمة تلم به من تلك الأضداد عند انبعاث قوتها، ونرجو من الله أن يعفو عنا كل ما يطرأ علينا من غير انخرام النية على إباحته خاصة على ما ندم صاحبه من الملامة به، ومن ارتكابه تلك اللمة، وهو الغفور العفو الرءوف يغفر ويعفو ويرأف على عبده المبتلي بالأضداد في دار الابتلاء، النادم بقلبه على ذنبه المستغفر من ربه، { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } [النجم: 32]، واسمه الغفور يدل على أنه واسع المغفرة، وبه يغفر الذنوب الذاتية جميعها، كما يغفر باسم غافريته الذنوب الصفاتية، وبغفاريته الذنوب الأفعالية، وبعفويته الذنوب الآثارية، وإن لم يتب من نسيان وغفلة منها فباسم غفوريته يغفر إذا تاب من الفواحش، وشرح غفرويته بما يتعلق بمطلع القرآن، ومما يطوي سره لا مما يروي حقيقة، { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } [النجم: 32] يعني: بما حصل لكم من القوى المعدنية السفلية الخبيثة، { وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } [النجم: 32]؛ يعني: بما لكم من القوى النباتية والحيوانية الفاسدة التابعة للهوى، المقبلة على الرديء المعرضة عن المولى، { فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [النجم: 32]، إذ نفسكم غير زكية بما حصل لها من القوى المعدنية الأرضية، والقوى النباتية والحيوانية، { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } [النجم: 32]؛ يعني: الله أعلم من وفق؛ لأن يبقى في القوى التابعة للهوى، ويجتهد في تزكية نفسه من الأخلاق الردية الحاصلة له من السفليات.
{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } [النجم: 33] عن الحق، { وَأَعْطَىٰ } [النجم: 34] الحظ للقوى السفلية، { قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } [النجم: 34] على القوى العلوية حقها؛ يعني: منع الحق عنها، { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } [النجم: 35]؛ أي: عنده علم ما أودعناه يوم الجزاء لمن يعطي الحظ للقوى السفلية، ويمنع الحق عن القوى العلوية، فهو يرى ذلك الجزاء.
{ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [النجم: 36-37]؛ اي: أم لم يخبر بما في الصحف اللطيفة السرية والقلبية المبلغة لطائفها إلى أمم القوى بالتمام والكمال، { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [النجم: 38]؛ يعني: لا يحمل وزر قوة نفسية على قوة قالبية، { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [النجم: 39]؛ يعني: أبلغي أيتها اللطيفة الخفية إليهم أن ليس في الدار الآخرة لأحد إلا ما سعى في دار دنياه خيراً كان أم شراً.