التفاسير

< >
عرض

وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ
٢٨
فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ
٢٩
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٠
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ
٣١
وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٣٢
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ
٣٣
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ
٣٤
نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ
٣٥
وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ
٣٦
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٧
-القمر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَنَبِّئْهُمْ } [القمر: 28]؛ أي: أخبرهم { أَنَّ ٱلْمَآءَ } [القمر: 28]؛ أي: ماء الحياة { قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } [القمر: 28] وبين الناقة الشوقية، { كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } [القمر: 28]؛ يعني: كل نصيب محضرة من كان يشرب الماء نصيبه، وحظ السالك من هذه الآية أن يجعل شرب حياته نصيب الناقة شوقه عند ورود واردات الوجد، وهو الحضور المطلق، وترك الأعمال البدنية عند ورود واردات الوجدية، ونصيب الجوارح الظاهرة لاستعمالها في الأعمال البدنية، ولو أهمل هذا الشرط عذب لعقره ناقة شوقه بالمنع لها عن شرب الوارد الوجدي، { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } [القمر: 29]؛ يعني: نادت القوى المكذبة القالبية قوتهم الجاهلية الطالبة للرئاسة، المحبة للدنيا، العابدة للهوى، فتناولت الناقة الشوقية بسيف استعدادها الحاصلة من القوى العلوية، فعسرت ناقة الشوق، { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } [القمر: 30] بالقوى القالبية المانعة لناقة الشوق عن استيفاء الحظ عن مشرب السماع، { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً } [القمر: 31] من صيحات قولهم الجبرائيلية المسلطة عليهم؛ { فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } [القمر: 31]؛ يعني: صارت القوى التي جمعتها قوة النفسية لاحتضار غنم الأخلاق الحميدة القالبية المكتسبة الغير المزكاة بنور اللطيفة، مثل الشجرة البالية التي ذرتها الريح العاصفة.
{ وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ } [القمر: 32]؛ يعني: سهلنا قراءة القرآن الذي فيه آيات وموعظة وأخبار، وعن حال من ظلم على القوة النفسية المزكاة القهرية إلى اللطيفة النفسية يعقر الناقة الشوقية التي فيها الاستعداد الموصل له إلى كعبة قلبه، { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [القمر: 32]؛ أي: هل من قارئ يذكر هذه الآيات ويتعظ بها؟ ويتفكر في نفسه ليعرف ناقته ومشربها ونصيبها، ويعرف القوى الظالمة المانعة لناقته عن الشرب العاقرة لها بسيف الاستعداد العلوي، ويخاف من الصيحة الجبرائيلية التي هي مسلطة عليهم من بدء فطرته إلى حين رحلته من محلة هذا البدن المجعول؛ لينزل ناقته ويتعهدها عند الشرب، ويركبها وينتفع بها في السلوك في بيداء النفس؛ ليصل إلى كعبة القلب ويشرف بمعاهدة رب البيت.
{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ } [القمر: 33]؛ يعني: كذبت القوى المتلونة بالهوى اللطيفة المطهرة المرسلة، وإنذارها بالنذر السالفة { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً } [القمر: 34] حاصلاً من كدورات أفعالهم الخبيثة الأرضية، والبخارات الهوائية الصاعدة إلى الهوى، المنجدة تحت سماء الصدر، الممطرة عليهم من الفوق، المدبرة لهم تدبيراً، { إِلاَّ آلَ لُوطٍ } [القمر: 34]؛ يعني: إلا القوى المؤمنة المطهرة المصدقة باللطيفة المطهرة المرسلة الآمنة عن الحاصب، { نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ * نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا } [القمر: 34-35]؛ يعني: أنجيناهم بتسحرهم في التطهر وقت المناجاة، وكان بسحرهم { نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا } [القمر: 35]، وشكرهم على نعمتنا أنجيناهم، { كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ } [القمر: 35] نعمتنا.
{ وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا } [القمر: 36] البطشة ثلاثة بطشات، مثل: الطامة، والنار كبرى ووسطى وصغرى، فالبطشة الكبرى، والطامة الكبرى، والنار الكبرى، إذا أخذت المرء فلا يمكن الخلاص منها، وأما الوسطى فيمكن بالشفاعة وبعض الأعمال الصالحة وإن كانت مغلوبة، وأما الصغرى فإذا ظهرت للسالك يزيد إيقانه ويظهر له نشاطاً في سلوك الطريقة، وتحرضه على التوجه الكلي إلى الله يشرف بالتجليات بعد هذه الحالات، ولله بطشة خفية في كل لمحة، وطامة جلية في كل بطشة، ونار مضيئة مشرقة في كل طامة، وساعة وقائمة في كل نار، وواقعة خافضة في كل ساعة لا يشاهدها إلا الأقطاب الأربعة؛ وهم: العالم العلوي والسفلي، { فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } [القمر: 36]؛ يعني: أنذرت اللطيفة المتطهرة للقوى الملونة عذابنا وبطشنا لهم بأفعالهم الخبيثة، فشكوا بالنذر؛ أي: بالإنذار، وكذبوها ولم يصدقوا إرسال الحاصب عليها.
{ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } [القمر: 37]؛ يعني: طالب القوى المتلونة القربان بضيف الوارد القهري النازل على اللطيفة المتطهرة؛ ليعذب القوى المتلونة في صور اللطف، { فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } [القمر: 37]؛ يعني: صيرنا أعينهم مطموسة من كدورات أفعالهم الخبيثة، وأرسلنا عليهم صاحب أفعالهم، وقلنا: { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } [القمر: 37]؛ أي: هذا العذاب الذي كنتم به تكذبون، وحظ السالك من هذه الآية أن لا يأذن للقوى المشككة المكذبة بالدخول على ضيف الوارد القدسي بحال البتة.