التفاسير

< >
عرض

يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ
٣٥
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٦
فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ
٣٧
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٨
فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ
٣٩
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٠
يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ
٤١
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٢
هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ
٤٣
يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ
٤٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٥
-الرحمن

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } [الرحمن: 35]؛ يعني: يرسل عليكما أيتها القوتان شواظ من نار علوية، وهو لهب النار الأخضر واستعداد النحاسية من العناصر السفلية، فلا يمنعان صاحبهما عن العذاب إن يشأ عذابهما، وفي هذا أسرار رحمة أشير إلى بعضها لك يفطن له الخبير.
اعلم أن الله تعالى خلق قالب الإنسان مستعداً مثل النحاس المستعد للتربية والتصعيد إلى حد يطرح عليه الكيمياء ويقلبه عيناً روحانياً، وخلق فيه من نار القوة الفاعلية قوة إذا زكى النحاس من الظلمة المنطبعة فيه من أركان الأرضيات، وظهر النار من لهب الهوى، وقيل صاحب التزكية والتطهير كثير الإيمان وطرح على نحاس القالب واشتعل فيه النار المطهرة عن لهب الهوى، فجعل قالبية الظلماني نورانياً، ويصير نحاسية الجسماني عيناً باقياً روحانياً، وإن لم تزك النحاس من ظلمات الطبيعة ولم تظهر النار نورانياً من لهب الهوى، تذيب النار التي هي ذات لهب هوائية نحاس استعداد القوة المكدرة الجسمانية في جحيم قالبه التي عمرها في دار الكسب، وتغذية أبد الآباد تارة بالإذابة والإحراق في جحيم اغتراره بنور النار، وتارة بإدخاله النحاس المذاب في زمهرير إنكاره؛ ليخمد ويصلح للإذابة تارة أخرى في دار القرار؛ لإعراضه عن طاعة الملك الواحد القهّار، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 36]؛ يعني: أيتها القوتان، أبنعمة إعطاء آثار الخضراء العلوية، أم بنعمة إعطاء الاستعداد النحاسي السفلي تكذبان؟
{ فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } [الرحمن: 37]؛ يعني: إذا فرجت سماء الصدور، وتنزلت القوى الملكية على القالب، ويكون لون السماء المنشقة مثل دهق الزيت إذا وصل إليه حرارة النارية، لون كل ساعة بلون آخر، فكذلك سماء الصدر تتلون من حرارة شموس القوى الملكمية بلون آخر على حسب قوى ملك من الملائكة المنزلة، كما قيل: لون ماء لون إنائه من ينصركما أيتها القوتان؟ { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 38] أبنعمة انشقاق السماء، أم بنعمة إنزال القوى الملكية تكذبان؟
{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 39-40]؛ يعني: أيتها القوتان، أبنعمة الخلاص من الذنب في دار الكسب، أم بنعمة غفران ذنبكما تكذبان؟
واعلم أن الملائكة النازلة يعرفونهم بسيماهم، فتؤخذ بنواصي نياتهم السيئة وأقدام أعمالهم الفاسدة، ويلقون في جهنم قالبهم الذي عمروها في دار الكسب يطوف من نار عنصرهم الغير المستخلصة عن لهب الهوى، وحميم عنصرية مائهم المكدرة بتراب الطبيعة، كما { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [الرحمن: 41-44]، والآن وادٍ من أودية جهنم مثل الويل، فأما الويل حصل من شره، والآن من الهوى إلا من ستره الله بستر ستاريته فأن الملائكة لا يعرفونه، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 45] أيتها القوتان، أبنعمة الخلاص عن الجزاء لستره، أم بنعمة المغفرة عن الذنب بغفرانه تكذبان؟