التفاسير

< >
عرض

نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ
٥٧
أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ
٥٨
ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ
٥٩
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ
٦٠
عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٦١
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ
٦٢
أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ
٦٣
ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ
٦٤
-الواقعة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } [الواقعة: 57] بالبعث بعد الخلق، فانظروا إلى مبدأ خلقكم لتعلموا أنَّا خلقناكم بالوسائط، ولا تحسبوا أن الوسائط مختارة بنفسها؛ لئلا تشركوا بالخالق؟
{ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ * ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } [الواقعة: 58-59]؛ يعني: في عالم الأنفس، { أَفَرَأَيْتُمْ } [الواقعة: 58] أيها السالكون إلا مَني الإرادة، أنتم تخلقونه أم نحن خلقناه في ظهر القوة الفاعلة؟ ونحن صببناه في رحم القوة القابلة.
{ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } [الواقعة: 60]؛ يعني: موت الجهل في بداية الأمر؛ ليكسب القوة الفاعلة العلوية من القوى القابلة السفلية استعداداً؛ فإما كاملاً لتستعمله في التزود لدار المعاد، ويجعل له مطية ليركبها يوم الرجوع إلى رب الأرباب، وبعبارة أخرى؛ يعني: نحن قدرنا الموت اللطيفة الحاصلة مَني الارادة بأنها تبلغ مبلغ الرجال، أو تموت صبية، { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ } [الواقعة: 60-61]؛ يعني: ما نحن بمغلوبين عاجزين عن إفناء مركباتكم وإهلاك مفرداتكم وإبدال قوى أمثال قواكم المتحللة الفانية الهالكة { وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الواقعة: 61] من تبديل قواكم، وصفاتكم الحاصلة من تلك القوى، كما يشاهد الرجل أنه يتورط في أمر الدنيا تورطاً عظيماً، بحيث لا يذكر الله تعالى طرفة عين مشتغلاً بهواه مقبلاً على شهواته مربياً قوى سبعية وبهيمية، فيبدل الله قواه وصفاته بحيث لا يفتر عن ذكر الله ساعة، ولا يشتغل بالدنيا ولو يضربونه ضرباً شديداً، ويترك هواه ويقبل على مولاه ويعرض عن شهواته، ويستمر في مجاهداته ورياضاته، أليس هذه نشأة معينة وتبديلاً مبنياً ظاهراً؟ فمالكم أيها العمي لا تؤمنون بخالقكم، ومنشئكم وباعثكم من قبول أقوالكم؟ { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ } [الواقعة: 62] التي هي من مَني النطفة المودعة في ظهر القوة الفاعلة، المصبوب في قبورهم رحم القوة القابلة، { فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } [الواقعة: 62] إني قادر على بعثكم من قبور قوالبكم، وأنشئكم النشأة الثانية بصب نطفة العناية؛ وهي ماء الحياة في ظهر قوة الولاية في رحم الإرادة، وإبدال قوتكم الفاسدة بالقوة الصالحة، وتغيير صفاتكم القبيحة بصفاتكم الحسنة.
{ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } [الواقعة: 63] من بذور الأعمال في أرض البشرية، { ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [الواقعة: 64]؛ أي: أنتم تنبتون، أم نحن المربون؟.