التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢
هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٣
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٤
-الحديد

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا أيها السباح، في بحر التسبيح بالاستعداد الظاهر الكامل اللطائف الظاهرة والباطنة، القلبية والنفسية، والقلبية والسرية، والروحية والخفية، اعلم أن الله ذكر المسبحين في كتابه المبين وكلامه المتين على فواتح السور ثلاث مرات بصيغة الماضي، ومرتين بصيغة المستقبل، ومرة واحدة بصيغة الأمر؛ ليطَّلع السالك على أن تسبيح اللطائف الظاهرة بلسان النبوة في بحر الأزل كان لصفات ذاته، وتسبيح اللطائف المطهرة الباطنة بلسان الولاية في بحر الأبد كان لصفات فعله، وتسبيح اللطيفة الخفية بلسان اللطيفة الأنانية في بحر الجمال كان لذاته بذاته؛ يتوجه السالك المحقق إلى كعبة الحال لا إلى الماضي ولا إلى المستقبل؛ لأن التوجه إلى الماضي في توبة اللطيفة يكدر وجه الجمال، والتوجه إلى المستقبل بعد طلوع شمس الحال يشق قلب الحال، والسر الذي ذكر بصيغة الماضي ثلاث مرات إشارة إلى نور النبوة؛ لأنها قائمة بواو الولاية، وواو الولاية قائمة بألف الألوهية، فما له مرتبتان وله ثلاث مراتب، والسر الذي ذكر بصيغة المستقبل مرتين؛ لأن واو الولاية قائمة بألف الألوهية وله مرتبتان، والحكمة في أنه ذكر بصيغة الأمر مرة واحدة؛ لأن اللطيفة الأنانية ظهرت في مرتبة الألف، وكشف هذه الأسرار زيادة على ما ذكرته بفرع باب مطلع القرآن، فارجع من المطلع إلى الحد، ومن الحد إلى البطن، ومن البطن إلى الظهر.
وافهم ما يقول الله تعالى في كلامه حيث يقول { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الحديد: 1]؛ يعني: نزه أهل السماوات الروحانية وأهل الأرض البشرية عن معرفتهم له؛ لأن جانب عزته له أعلى من أن يصل فهم المخلوق إلى أفق معرفته، وسرادقات حكمته أرفع من أن يقدر رفعها المخلوق المحدث بقوله: { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الحديد: 2] ملكاً مطلقاً، { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } [الحديد: 2] يحيي المفردات عند التركيب بحكمته، ويمت المركبات بإفناء صورها بعد التركيب بعزته، { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الحديد: 2]؛ يعني: على إحياء الموتى وإماتة الإحياء، { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [الحديد: 3]؛ يعني: هو الأول في عالم لاهوته، والآخر في عالم ملكوته، والظاهر في عالم ناسوته، والباطن في عالم جبروته، وهو إشارة إلى وحدانية ذاته المحيط بالكل؛ ولأجل هذا يبدأ به ويختم عليه في قوله: { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [الحديد: 3] من الحقائق اللاهوتية، والحقائق الجبروتية، والدقائق الملكوتية، والشقائق الناسوتية عليم.
{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [الحديد: 4]؛ يعني: هو الذي خلق السماوات الروحانية والأرض البشرية في ستة أيام، النقطات البياضية والسوادية المدرجة في الحظ الإلهي { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [الحديد: 4]؛ أي: على عرش النقطة الحكمية في الجامعة المباركة الألفية؛ لأنها مجمع النقطات العلمية والإرادية، والقدرية والحكمية، وبها تمت الأسبوع وعليه مدار أشهر الحروف وأباجاد السنين، وأعياد الكلمات الكمالات التامات الباقيات، وفهم هذه الأسرار ليس يفسرها الأعجمي فأدرج، فاعلم أنه تعالى { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } [الحديد: 4]؛ لأنه أودع فيها قوة الولوج واستعداد الإخراج وقت التخمير، { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } [الحديد: 4]؛ لأنه أدرج فيها سر النزول وحكمة العروج وقت التدبير، { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [الحديد: 4]؛ يعني: وجودكم مستفاد من نظر وجوديته، وكيف نيتكم موجودة به؟ { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [الحديد: 4]؛ لأنه مستعملكم.