التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩
إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٠
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١
-المجادلة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } [المجادلة: 9] يعني: أيتها القوة المؤمنة إذا تناجيتم لا تتناجوا بالشك في الواردات ومعادات بعضكم بعضاً معصية أمر اللطيفة الخفية وحظ السالك من هذه الآية ألا يتناجى في مجلس شيخه، لا في الظاهر ولا في الباطن بالشك في المعرفة التي ترد على الشيخ أهي مثل ما ترد علينا من سبيل الفكر والنتائج العقلية؟ ولا في معاداة الأصحاب حسداً عليهم، وعلى أحوالهم، وعلى قلوبهم ومكانتهم عند الشيخ، ولا في العصيان ما يأمره الشيخ به وحظ القوى المؤمنة ألا تأذن للنفس أن يناجي الشيطان في الخلوة، ولا وارد النفس أن يدخل عليها الشيطان، ويلقي في روعها من الشك في الذات والصفات، وفي أنها صارت واصلاً غير محتاجة إلى أمر اللطيفة في الترقي بنفي الخواطر بالذكر والقوى الخفي، ولاشتغل السالك في خلوته بتميز الخواطر بل يشتغل بنفي جميع الخواطر شراً كان أو خيراً { وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ } [المجادلة: 9] يعني: يجوز للقوى المؤمنة أن تناجي القوة القلبية والسرية والروحية والخفية بالبر، وهو ترك محبة الدنيا والتقوى، وهو الاجتناب عن الهوى { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [المجادلة: 9] يعني: اتقوا من الذي يحشر إليه أعمالكم الظاهرة والباطنة ولا تضمروا خلاف ما تظهرونه { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ } [المجادلة: 10] يعني: من تزيين الشيطان في قلوبكم { لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [المجادلة: 10] يعني: ليحزن القوى المؤمنة { وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً } [المجادلة: 10] يعني: لا يضر القوة المؤمنة بنجواكم { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [المجادلة: 10] لأن القوى المؤمنة آمنوا بأن الضار والنافع هو الله توكلوا عليه، وتيقنوا بأن لا مانع ولا معطي إلا هو، لا يلتفتون إلى نجوى الشياطين، والنفس المنافقة، والقوى السرية الجاحدة { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ } [المجادلة: 11] يعني: أيتها القوة المؤمنة؛ إذ قيل لكم بالخاطر الإلهامي: أن أفسحوا في خلوتكم على قواكم بترك المجاهدة الشاقة فافسحوا، يفسح الله لكم بالمشاهدات والمكاشفات الوهبية، وإذا قيل لكم: انهضوا من مقامكم بدخولكم على أحوالكم للترقي من مقام، فانهضوا ولا تعسروا بما وجدتم في ذلك المقام؛ لأن في ذلك المقام لا في مقام أعلى منه تجدون معارف أفضل مما وجدتم في مقامكم هذا { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } [المجادلة: 11] يعني: يرفع الله ذكر القوة المؤمنة القائمة بأمر اللطيفة الخفية عن مقام السر، ودخولها في حك الأحوال التي تتعلق بالروح الخفي { وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: 11] يعني: لمن وصل إلى عالم الحق وشرف العلم اللدني درجات غير متناهية { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [المجادلة: 11] من القيام عن حظوظكم وترك شهواتكم، واختياركم أمر اللطيفة الخفية، وحظ هذا السالك من هذه الآية أن يترك جميع معارفه بأمر مسلكه، وينفي الكرامات العيانية والبيانية باشتغاله بذكر حقه، ولا يطلب من الحق شيئاً غيره.