التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٠
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١١
لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ
١٢
-الحشر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ } [الحشر: 10] من القوى المؤمنة النفسية والقالبية، وإن لم يدركهم في المرتبة والمنزلة، ولكن { يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [الحشر: 10] هم أيضاً يكونون من المفلحين لدعائهم لإخوانهم السابقين ومسألتهم من الله ألا يجعل في قلوبهم غلاً وحسداً على ما آتاهم الله بفضله وسعة رحمته، فحظ العامة من الأمة المحمدية ألا يظنوا من أصحاب الرسول رضي الله عنهم؛ ويدعوا لهم بالخير؛ فيعرفوا قدرهم على أنفسهم ولا يفتروا بكثرة مجاهداتهم التي يشتغلون بها؛ لأن السابقين جاهدوا مجاهدة، لو أن جاهدنا بأموالنا وأنفسنا وقاتلنا في معركة العدو أشد مقاتلة حتى قتلنا لا نصل بأدنى مجاهدة السابقين، وينبغي أن يفضلوهم على أنفسهم، وحظ السالك من هذه الآية أن يتواضع لأصحاب شيخه المتقدمين عليه، ويفضلهم على نفسه، ويدعو لهم بالخير، وحظ القوى النفسية والغالبية المؤمنة أن يؤثروا خواطر السرية وحظوظ القوى الحقوقية على أنفسهم، ويزكون الأعمال البدنية والذكر اللساني إذا أراد القوى الحقوقية والسرية أن يتنعموا بالوارد والذكر السري والقلبي أو الروحي أو الخفي، ويصبروا على ترك حظه من الأعمال البدنية، والأذكار اللسانية؛ لأن الله يرأف ويرحم بهم ويوصلهم إلى مرتبة لا يمكن الوصول إليها بالأعمال البدنية، والأذكار اللسانية بجذبته { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } [الحشر: 11] من القوى النفسية { يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } [الحشر: 11] أي: من القوى السرية الجاحدة { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [الحشر: 11] لأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وإذا قذف الله الرعب من الحقوق التي كانت مستكنة في طينتهم؛ ليخرجوا بيوتهم بأيديهم صاروا متملقين { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } [الحشر: 12] لإدبارهم واشتغالهم بشهواتهم وضعف نياتهم خلاف أهل الكتاب؛ لأنهم كسبوا قوة من إيمانهم باللطيفة السرية من قبل إرسال اللطيفة الخفية.