التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٨
وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
١٩
لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ
٢٠
لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
٢١
-الحشر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } [الحشر: 18] يعني: أيتها القوة المؤمنة اعتبري من هذه الآيات، ومما جرى على القوة المستكبرة والمعجبة، واكتسبي لفنسك اليوم ما ينفعك غداً بعد كشف الغطاء وطي علام الكسب { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [الحشر: 18] يعني: اتقوا عن الله عن عبادتكم، وتمسكوا بأذيال رحمته بأيدي عجزكم ومسكنكم.
{ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [الحشر: 18] سراً وجهراً نيةً أو عملاً، فأخلصوا نياتكم؛ لأن الله لا ينظر إلى أعمالكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم وانظروا بعين المنقصة إلى نفوسكم وبعين الفضيلة إلى إخوانكم ولا تطاولوا على القوة النفسية والقالبية المؤمنة بعدكم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"مثل أمتي كالمطر لا يدرى أوله من خير أم آخره" { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } [الحشر: 19] يعني: مثل القوى التي آمنت باللطائف، ثم نسوا ذكر الله واشتغلوا بمشتهيات أنفسهم، وجعلوا دين الله عادة وميراثاً، وغفلوا عن حقيقة الدين { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [الحشر: 19] لا يشادهم حظوظ أنفسهم على الحقوق، ووقفوهم على صور الأعمال العارية غير الدخول في معناها { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [الحشر: 20] يعني: لا يستوي من زكى قوة نباتية لتكون له بستاناً كمن يشعل نيران الحقد والحسد { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [الحشر: 21] يعني: لو أنزلنا الوارد على جبل القوة المعدنية لرأيتها خاشعة متصدعة من قوة الوارد وخشية ما أودع الله في الوارد، ولا تخشع هذه القلوب، فيدل على أن قلوب المنافقين والكافرين والاستعدادات المميزة للقوة الكافرة المنافقة النفسية والقلبية أشد وأصلب من جبل قوى معدنيته، ولأجل هذا السر يتمنى مقام الترابية بعد حصول الاستعدادات { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الحشر: 21] فينبغي أن يتفكر القارئ في هذه الآية لئلا يشتغل طول عمره بتصحيح مخرجه بلا تفكر يوماً واحداً في عجائب أمثاله وحكمه ويفهم الظاهري؛ أن الله يضرب الأمثال؛ ليتفكروا فيها ويفهموا ما في ضمن هذه الأمثال ولا يفقهون على ظاهر الجبل الذي ضرب به المثل، ويعلم أن مراد الله من إرسال الرسل، وإنزال الكتب تطهير القلب، وتزكية النفس، والتوجه إلى كعبة الوحدة لا حفظ الكتب، والغلبة على الأمم وجمع الدراهم والدنانير والأملاك والعقار والدواب والأنعام والجارية والأزواج والأولاد والتنعم بالنعم والتفوق على الأنام والارتكاب على الآثام أيها الغفلة الجهلة العجزة عن أيدي الشهوة والقوى تظنون أن قراءة الكلام وعلم الحلال والحرام مع الاشتغال بالشهوة على وفق الهوى يجتمعان لا والله لو لم يتصدع قلبك من القراءة، ولم يخشع من الوعظ، ولم يخرج منه حب الرئاسة والجاه؛ لا ينفعك قراءة الكلام، وعملك بالحلال والحرام بل يكون عليك حجة ووبالاً، ويزيد عليك عذاباً ونكالاً وسلاسلاً وأغلالاً.