التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ
٢
وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ
٣
-الحشر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

أيها المسبح المفلح المجمح: اسبح في بحر التسبيح؛ كالحوت تسمع تسبيح أهل السماوات والأرض للحي الذي لا يموت، ومتى مادمت تتعلق بكل حشيش وتخاف من الفرق، وتدور حول السواحل فما أنت من المسبحين، فإذا دخلت البحر وصرت بحريا تأمن من الفرق وتستريح من الحرق، فافهم ما يقول الله تعالى في سورة الحشر { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [الحشر: 1] أي: في سماوات دماغك { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [الحشر: 1] بعزته أي: في أرض بدنك من القوى المخزونة في الدماغ، ومن القوى المدفونة في البدن { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الحشر: 1] بعزته حذف القوة الحافظة والذاكرة والمتفكرة والمتخلية وأخواتها في سماوات الدماغ لئلا يصل إليها أبخرة المعدة وقاذرواتها وبحكمه أودع القوى الجارية والعارية والهاضمة والدافعة، وأخواتها من أرض البدن لبريتها ويدفع منها ما يضرها ويجذب إليها ما ينفعها؛ ليصل كل جزء إلى كلها، ويلحق كل فرع بأصلها في السفل والترقي وكشف هذا السر من حد القرآن { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } [الحشر: 2] يعني: هو الحق الذي سبحه أهل السماوات والأرض بالحق وأخرج القوة الكافرة من أهل الكتاب السري من ديارهم القالبية لأول حشر في وادي المقدس الخفي حشر الخواطر الخفية { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ } [الحشر: 2] من حصون إيمانهم الذين تحصنوا بها وقت ظهور اللطيفة السرية { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ } [الحشر: 2] يعني: أن حصون إيمانهم باللطيفة السرية يمنعهم من جند خواطر اللطيفة الخفية، وإن لم يؤمنوا باللطيفة الخفية، ولم يخرجوا من حصون إيمانهم التقليدي الذي صار لهم عادة، وورثوا عن آبائهم تقليداً لا تحقيقاً عادةً لا عبادةً { فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ } [الحشر: 2] يعني: أتى حزب الله، وهو الخواطر الخفية من حيث { لَمْ يَحْتَسِبُواْ } [الحشر: 2] يعني: من حقوقهم التي كانت مدفونة مستكنة فيهم وقت التخمير { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } [الحشر: 2] بقتل خواطر الهوى وهو سيد خواطرهم { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ } [الحشر: 2] يعني: أين يخربون القوى الكافرة الجاحدة باستعدادهم الحاصل من إيمانهم باللطيفة السرية حيث أبدانهم بالمجاهدة { وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ } [المؤمنين: 2] أي: باستعداد الخواطر الخفية، وهذه حالة نظر أعلى السالك عند اشتغاله بالمنكر الخفي واشتغال القوى الثابتة للطيفة السرية بالذكر السري؛ ليصد السالك عن الذكر الخفي، فلا يلتفت السالك إلى ذكركم، ويشتغل بذكره، فهم بالذكر السري يخربون بوت البدن، والسالك يخرب بيت البدن بمعول الذكر الخفي؛ لينقض جدار البيت المظلم، وينور بنور الشمس الطالعة الحقيقة { فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } [الحشر: 2] حكمة الملك الغفار، وعزة الواحد القهار، كيف هدى اللطيفة الخفية وقواها على الثبات على ذكرها بحكمته وكيف قذف الرعب والخوف في قلوب القوى الثابتة اللطيفة السرية الجاحدة اللطيفة الخفية من حقوقهم التي كانت مستكنة فيهم بعزته { وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ } [الحشر: 3] يعني: الخروج من حصونهم بما قذف في قلوبهم { لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا } [الحشر: 3] بالعذاب العاجل، وهو سد المعرفة السرية والأنوار النفسية { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ } [الحشر: 3] التي أوقدتها القوى الجاحدة من نيران الحسد والبغض في قوالبها.