التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٧١
وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ وَٱتَّقُوهُ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٧٢
وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ
٧٣
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٧٤
-الأنعام

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر أن لا نافع ولا ضار إلا هو بقوله تعالى: { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } [الأنعام: 71]، إلى قوله: { تُحْشَرُونَ } [الأنعام: 72]، الإشارة فيها أن الإنسان يعبد الله لجر منفعة أو لدفع مضرة، فقال: { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } [الأنعام: 71]؛ أي: نطلب غير الله الذي هو النافع الضار، وإنما النفع الحقيقي هو الفوز بالوصول إليه والضر الحقيقي هو الانقطاع عنه { وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا } [الأنعام: 71]، إلى مقام الاثنينية التي كنا فيها { بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ } [الأنعام: 71]، إلى الوحده { كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ } [الأنعام: 71]، أضلته شياطين الأنس والجن { فِي ٱلأَرْضِ } [الأنعام: 71] أي: في أرض البشرية باتباع الهوى { حَيْرَانَ } [الأنعام: 71] بإغوائهم وإضلالهم، وهذا مثل الطالبين الصادقين والطالبين الخائضين، فإنهم يدعون الطالبين في بطالتهم وضلالتهم { لَهُ أَصْحَابٌ } [الأنعام: 71]؛ أي: المطالب { يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا } [الأنعام: 71]؛ أي: يهدونه إلى الله { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ } [الأنعام: 71]، أي: الهداية إلى الله { هُوَ ٱلْهُدَىٰ } [الأنعام: 71]، الحقيقي لا الهداية إلى غيره وما سواه { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الأنعام: 71]؛ أي: أمرنا بالتسليم وهو ترك الوجود كالكثرة في ميدان القدر مستسلماً لصولجان القضاء المجازي لأحكام رب العالمين { وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ وَٱتَّقُوهُ } [الأنعام: 72]، أي: وأمرنا أن نحفظ أسرارنا عن غير الحق بإقامة الصلاة ونتقي به عن غيره لأنه { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [الأنعام: 72]، أيها الطالبون لا إلى غيره من الجنة والنار كما قال: "ألا من طلبني وجدني" .
ثم أخبر عن خصوصية هويته بقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } [الأنعام: 73]، الآيتين والإشارة فيهما أن الله تعالى خلق المخلوقات؛ لظهور صفات جماله وجلاله، فقال: { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أي: للحق يعني: لإظهار صفات الحق ويجعل المخلوقات مرآة مناسباً تحاكي جميع صفاته تعالى وتقدس، ولكن لا تشاهد صفاته بالكمال إلا في مرآة النسيان لا المخلوقات بالكمال إلا الإنسان، وهو أكمل المخلوقات استعداداً وأحسنهم تقويماً في المراقبة وأنه يشاهد مرآة المخلوقات مما اختصت به من الصفات ما لا يشاهد غيره ويشاهد في مرآة نفسه من الصفات ما هو المخصوص به ولا يشاهد منه غيره كما قال تعالى: { { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } [فصلت: 53]؛ أي: مرآة أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق والآيات هي الصفات ولما كانت المشاهدة بإراءة الحق لقوله تعالى: { سَنُرِيهِمْ } والإرادة إنما تحصل بتكوينه إياها فقال تعالى: { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ } [الأنعام: 73]؛ يعني: وإذا أراد أن يرى عبداً من عباده تلك الصفات يقول كن وإنا فيكون بهذا التيسير إلى أن ليس في استعداد الإنسان أن يصير رائياً بمجرد سعيه لصفات الحق في مرآة المخلوقات إلا أن يخلق الله تعالى فيه استعداداً مناسباً للرؤية عند رؤيته تلك الصفات، ثم قال تعالى: { قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ } [الأنعام: 73]؛ يعني: في حق الإنسان أن يقول له كن رائياً { وَلَهُ ٱلْمُلْكُ } [الأنعام: 73]، تلك الإرادة وتلك الرؤية يؤتى ملكه من يشاء كما أني الإنسان ملك الرؤية { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } [الأنعام: 73]، وهي نفخة الإرادة في صور القلب، وذلك تجلى الحق تعالى لمرآة قلب الإنسان ليصعق موسى النفس ويتدكدك جبل أنانيته فيشاهد السر ويبصر الخفي وباصره نور الحق في مرآة القلب شهود { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ } [الأنعام: 73]، وذلك لأنه كان عالم الغيب قبل التجلي فلما تجلى له الحق تعالى صار عالماً كان غائباً عنه، وهو عالم الغيب والشهادة { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } [الأنعام: 73]، فيما اختص الإنسان بإرادة الآيات { ٱلْخَبِيرُ } [الأنعام: 73]، يخصه من بين الناس بالتجلي له نفهم ونغنم إن شاء الله تعالى.
ثم أخبر عن ظلال الجهال بقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ } [الأنعام: 74]، إلى قوله
{ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } [الأنعام: 78].
الإشارة فيها أن الله تعالى أظهر قدرته في إخراج الحي من الميت بقوله: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً } [الأنعام: 74]، من دون الله إذا الأصل منهمك في الجحود بموت قلبه والنيل مضمحل في الشهود لحياة قلبه والأصنام، ما يعبد من دون الله { إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: 74]، بما أراني الله تعالى ملكوت الأشياء.