التفاسير

< >
عرض

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ
٤
رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٥
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٦
-الممتحنة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } [الممتحنة: 4] لأن اللطيفة القلبية { إِذْ قَالُواْ } [الممتحنة: 4] لآبائهم { لِقَوْمِهِمْ } [الممتحنة: 4] بعد أن ظهر لهم شركهم { إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ } [الممتحنة: 4] فينبغي أن يتبعوا أثر اللطيفة القلبية، وإنا أمرنا اللطيفة الخفية بأن تتبع ملة أبيها إبراهيم، وهو اللطيفة القلبية، وهذا سر عظيم أشير إليه؛ لئلا تغلظ في نسبة الأبوة.
اعلم أن الله تعالى أودع اللطيفة الخفية في جميع الأشياء، ولكنها مستكنة مستورة بأستار وحجب مما لا يجب ردها ورباها في أطوار التراكيب حتى وصلت إلى تركيب هو أعدل التراكيب، وهو القلب فصارت نطفة اللطيفة الخفية في طهر اللطيفة القلبية مستعدة، إذا وجدت لطيفة قابلة لها يدع فيها؛ فأرسل الله الإرادية لتكون قابلة لتلك النطفة، فإذا شاهدت اللطيفة القلبية استعداد قابليتها أودعت فيها النطفة ورباها الله في رحم الإرادة مدة مديدة ورقاها برقاها حتى وصلت إلى حضرة الحق فأمرها بالرجوع إلى العوالم التي عبرت عليها لتنذر أهلها وتبشر أممها فهو خاتم اللطائف والمقصود من إيجاد الكل ولأجل هذا أشار إليه أن
{ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً } [النساء: 125] { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [البقرة: 135] والزيادة على هذا الكشف منتهي لأن سره من أسرار مطلع القرآن { إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ } يعني: أنتم إذا دخلتم في متابعة اللطيفة ينبغي ألا تلتفتوا إلى أرحامكم وأولادكم ويقولوا ألقوا ما قالت اللطيفة القلبية وقواها لآبائهم { وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [الممتحنة: 4] يعني: يقولون إنا براء ممنكم ومن آلهة هواكم { كَفَرْنَا بِكُمْ } [الممتحنة: 4] وبآلهتكم { وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ } [الممتحنة: 4] الخفية { وَٱلْبَغْضَآءُ } [الممتحنة: 4] لله تعالى { أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [الممتحنة: 4] وتتركوا آلهتكم وترجعوا عن شركائكم وتتبعوا أسوة إبراهيم { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [الممتحنة: 4] قبل أن جاءه الوارد وأعلمه أن أباه لم يدخل دين الحق يعني: يجب عليكم متابعة اللطيفة القلبية إلا في قولها قبل وقوفها على أمر اللطيفة الروحية المستكبرة المرساة في تراب الطبيعة التابعة للقوى القالبية { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } فلما تبين للطيفة القلبية مردوديتها بتراب منها وقالت { وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } [الممتحنة: 4] يعني: لا أقدر أن أدفع عنك عذاب الله إن عصيت الرب وأشركت به { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } [الممتحنة: 4] بإعراضنا عن آبائنا وأمهاتنا وعشائرنا وأرحامنا وأولادنا وإليك أنبنا من [راعيتنا] القوى القالبية والنفسية ومودتنا لها وإليك المصير يعني: إليك مرجعنا ومالنا ملجأ وملاذ غير ذكر الكريم { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الممتحنة: 5] يعني: لا تجعلهم غالبين علينا ولا منصورين بل أجعل كيدهم في تضليل واجعلهم مغلوبين مقهورين { وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ } [الممتحنة: 5] صدر عنا من الجهل بإخبارنا إياهم الأخبار والأسرار نصيحة لهم ومودة ونزعة رحيمية { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الممتحنة: 5] يعني: أنت غالب على أمرك حكيم في جميع أفعالك أن تغفر لنا فنحن عبادك وإن تعذبنا فأنت أعلم وأحكم ونحن مستحقون العذاب { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الممتحنة: 6] أيتها القوة المؤمنة المتابعة اللطيفة الخفية في القوى القلبية التابعة للطيفة القلبية { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ } [الممتحنة: 6] يعني: تبرأ مما تبرى، ويقولون ما قالوا { وَمَن يَتَوَلَّ } [الممتحنة: 6] أي: يعرض عن أسوتهم الحسنة { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } [الممتحنة: 6] يعني: الحق مستغن عن عبادتكم حميد في ذاته إن لم يحمده ويعبده أحد ولا تقنطوا أيتها القوى المؤمنة عن إيمان القوى القالبية والنفسية القريبة لكم.