التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٢
كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٣
إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ
٤
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ
٥
-الصف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

أيها الصافون في مصاف الأعداء المصفون من أهل الصفاء القائمون في صفوف الصوفية بشرط الوفاء القاعدون في صفة أصحاب الصفة بالتوكل والرضاء سبحوا الله بالنسبة الأرض والسماء ونزهوه من أن يحاط بالأفكار والعقول وافهموا ما يقول في كتابه الكريم حيث يقول { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الصف: 1] بحكمة خلق الأرض والسماء وما فيهما وما بينهما لتسبحه في السماوات الروحانية القوى العلوية وفي أرض البشرية القوى السفلية وبعزته حجب الكل عن مشاهدته وسخرهم بقدرته ليمتزجوا ويختلطوا بالفعل والانفعال [ليتولد] من الآباء العلوية والأمهات السفلية اللطيفة الأنانية المسبحة بلسان الحق لذات الرب سبحانه وتعالى أن يقدر أحد أن يذكره أو يسبح له غيره واللطيفة الأنانية الكاملة هي مرآة وجهه الكريم والمسبح لذاته عكس ذاته المنطبع في المرآة فإن لم يسبح الناظر في المرآة نفسه فكيف تقدر المرآة أن تسبحه فالمسبح عكس ذاته فتسبيحه بتسبيحه إياه فإن ظهر المسبح والمنظور هو المسبح وهو الناظر والمنظور والذاكر والمذكور { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف: 2] يا أيتها القوى المؤمنة النفسية لم تقولون إنا نجاهد العدو إذا واجهتموه وافقتموه وأعصيتم شهواته على وفق هواه ما علمتم أن الله يقول: { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف: 3] { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [الصف: 4] يعني: إذا غلب في أثناء المجاهدة والخلوة جند خواطر الشيطان والقوى القالبية والنفسية لغير المزكاة على القلب فينبغي أن يكون السالك المجاهد وقواه القلبية لا يزالون عن مكانهم مواجهة العدو في صف الجهاد كأنهم قد رصَّ بعضهم ببعض لأن كيد الشيطان ضعيف إذا رأى من السالك والقوى القلبية ثبات القدم وصدقهم في المجاهدات ينهزم سيما إذا شاهد حزب الرحمن وهو أنوار الجذبة وأنوار الخواطر السرية والخفية يتولى مدبراً ويقول إني أرى ما لا ترون ويقوى السالك على حزب الشيطان بعد ذلك بحيث كلما واجهه انهزم إلا ما شاء الله لو ابتلي السالك بإيقاع الشهوات على وفق الهوى وترك الذكر فإنه يجيء كرة أخرى ويجلب بخيله ورجله للقتال فالسالك الموفق لا يخاف من كثرتهم ويعتصم بحبل الذكر ويتقلد بسيف الثقلين ويحمل عليهم ويهزمهم بقوة الولاية عند استحضاره الشيخ فبعد ذلك يضعف الشيطان والقوى القابلية والنفسية التي هي حزبه ويجب على السالك بعد ذلك رعاية القوى القلبية بحقوق الذكر ومحاسبة القوى النفسية والقالبية من الحظوظ حتى لا يلقمهم لقمة من غير حساب { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ } [الصف: 5] يعني: اللطيفة السرية لقواها { لِمَ تُؤْذُونَنِي } [الصف: 5] بالافتراء علي بأن ذكري معلول بريح الهوى { وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ } [الصف: 5] فربما يذكر السالك الذكر السري ولا يصل ذوق إلى القوى النفسية المؤمنة فيفترون على اللطيفة السرية أن ذوق ذكرك لا يصل إلينا ولم نجد ذوق فعله حدثت من ريح الهوى إلى ذكرك وإن لم يكن السالك محفوظاً أو تحت ولاية الشيخ ينغصون العيش عليه فسبيل السالك في هذا المقام أن يقول إني أذكر الله لله لا للذوق وإن لم يصل إلى الذوق في الدنيا يصل في العقبى وإن لم يصل فالحكم للمولى إن ما عشت أذكر مولاي وولي وإلهي من غير طمع وأجرة ولا يكون كأجير سوء في سلوكه خاصة عند هجوم ظلمات النكرة وخمود نيران الشوق وجمود الاستعداد وركود ريح الذكر القلبي ويجتهد في الطاعات والرياضات والذكر وإن لم يجد منه راحة بل يكون في تلك الساعة كان إعطاؤه ترض بالحجارة فيجب أن يبالغ في الذكر على وجه التعظيم والهيبة حتى يفتح الله عليه باب المعرفة فيجد حينئذ أضعاف ما يجده من الذوق قبل هذه الحالة { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ } [الصف: 5] يعني: القوى النفسية والقالبية عن الحق بافترائهم على اللطيفة السرية { أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف: 5] يعني: أمالها الله بوجوههم عن الحق { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [الصف: 5] الذين يفترون على نبيهم.