التفاسير

< >
عرض

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
١
هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٣
ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٤
-الجمعة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا من تدعي أنك تسبح لله ما فهمت من قوله تعالى حيث قال: { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } [الجمعة: 1] وإن لم تكن من أهل الفهم من عند نفسك بالكشف فألق سمعك إلي وكن شهيداً حتى أفسره لك بإذن الله تعالى.
واعلم أن التسبيح لا يصدق من أحد من رؤية وجوده، فينبغي للمسبح أن يعرف الله بصفة الملكية والقدوسية والعزيزية والحكيمية، ومعرفته صفة ملكه لا يصدق ما دام يتلجئ إلى أحد غيره، ويرى الملك لغيره متصرفاً، ولا يأتمر بأمره، ولا ينتهي من نهيه، ويشتغل بنهر طبعه، ومعرفة يصفة قدسه لا يحصل إلا بعد علمه بأن كل ما يخطر بباله وحسه وذكره، فالله خالق تلك الخواطر وكل ما رأى من صور صفاته في الغيب والشهادة يتيقن بأن الله مصورها، ومعرفته صفة عزيزية منوطة بأنه يعرف أنه غالب على أمره، خلق الشيطان لعزته، وخلق النفس قرينة لغيرته على أن يعرفه غيره، ومعرفته حكيمية متعلقة بمعرفته النقطة المتقنة الواهية صور الأشياء بعد ظهور [الصفات] الثلاثة: العلمية والإدارية والقدرية؛ ليعلم حقيقة ظهور القالب الإنساني على شكل قامة الألف، ويعلم قواها السوداية، وقواها البيانية، وكيفية تداخل الحروف بعضها في البعض، وأخذ النقطات البيانية حظوظها من النقطات السوادية، وأخذ النقطات السوادية حقوقها من النقطات البياضية؛ ليظهر عليه حكمة صدور هذا الفعل من ذات سبب صفاته الملكية والقدسية والعزيزية والحكيمية وإن الملك اسم للسر الذي أودعه الله في النقطة العلمية، والقدوس اسم للذي أودعه الله في النقطة الإرادية، والعزيز اسم للسر الذي أودعه الله في النقطة القدرية، ويطلع على ينبوع الحياة في النقطة العلمية، وعلى نهر السمع في النقطة الإرادية، وعلى بحر البصر في النقطة القدرية، وعلى مد الكلام وجوزه في النقطة المتقنة الحكيمة ليجتني من شجرة روحانيته المغروسة في أرض بشريته إثمار الكلمات الطيبات في بستان بلدته الطيبة، ويضعها على طبق اللطائف ويتحف بها على يدي اللطيفة الأنانية إلى حضرة ربه الغيور، والمبالغة في هذا التقرير في هذه الآية فرعت باب مطلع القرآن، فعطفت عنان البيان عنه { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } [الجمعة: 2] يعني: بعث اللطائف المرسلة إلى كل الأمم منهم، وبعث اللطيفة الخفية إلى جميع الحقوق المودعة في القوى السلفية والعلوية، وهي أمة أمية؛ لأنها وهبية لا كسبية { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } [الجمعة: 2] يعني: يقرأ عليهم آيات الحق في أنفسهم { وَيُزَكِّيهِمْ } [الجمعة: 2] من غبار الأخلاق الرذيلة التي علقت بأذيال القوى الحقوقية في أرض البشرية من تراب الطبيعة { وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ } [الجمعة: 2] بالوارد الوهبي الخفي لا من العلم الكسبي الخلقي العسكري { وَٱلْحِكْمَةَ } [الجمعة: 2] بالنور الحكمي المخصوص بالخفي، والمراد من الكتاب: الأحكام التي تتعلق بملك السالك، وبالحكمة الأحكام التي بملكوت السالك يعني: تزكي بالكتاب قوى سفليته، وبالحكمة تزكي علويته { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الجمعة: 2] بعبادتهم أوثان الهوى، ومتابعتهم القوى الجاهلية القالبية، والظالمة النفسية { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ } [الجمعة: 3] يعني: يعلمهم ويعلم آخرين منهم من القوى التي تحدث من [.....] بعد المُخْلِلات { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } [الجمعة: 3] يعني: القوى الحادثة للقوى التابعة الزكية العارفة بالكتاب والحكمة لم تدركوهم، ولكنهم يحدثونهم بعدهم { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الجمعة: 3] بقدرته أرسل اللطيفة الخفية إلى الأميين من القوى الحقوقية الأمية الأصلية؛ ليعلمهم الكتاب والحكمة بعد أن غابوا عن الحضرة من وقت التخمير، وصاروا ضالين في أودية البشرية، ويبدأوا الشكوك والظنون مشتغلين بعمارة وكر قالبهم وتربية بيضتهم غافلين عن ذكر الله بالحكمة البالغة؛ ليتم الوكر وتنتج البيضة والفرخ، ولولا غفلتهم عن الذكر ما اشتغلوا بعمارة الوكر وتربية البيضة، والمراد من إيجاد الذكر والأنثى والعلو والسفل، وعمارة الوكر وتربية البيضة هو: الفرخ الذي يحصل فيه؛ فيطير في سوء المحبة، وبأخذ طيور المعرفة ليفرح السلطان في طيرانه، وعلمه بكيفية الأخذ ورجوعه إلى يد السلطان { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [الجمعة: 4] يعني: من ذلك العلم والطيران والرجوع من فضل الله ووجهه لامن كسب أحد وتعلمه يؤتيه من يشاءه { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }[الجمعة: 4]؛ ليعطيهم الاستعداد ويهب لهم العلم اللدني، ويرسل إليهم الوارد القدسي، ويدعوهم بلطيفة إليه، ثم يجزيهم الجزاء الأوفى، ويثني عليهم ويشكر سعيهم ويجعلهم المقربين.