التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٨
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
٩
فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
١٠
وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ
١١
-الجمعة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } [الجمعة: 8] يعني: أنتم تفرون من الموت الاختياري، والموت الاضطراري الذي هو ملاقيكم لا محالة { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الجمعة: 8] في الشهادة باستيفاء حظوظهم على وفق الهوى وفي الغيبة باستعداد الوارد السري والمعارف التي حصلت لكم في سلوككم في الباطل، وكسب الشهوات النفسانية العاجلة { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [الجمعة: 9] يعني: أيتها القوى المؤمنة إذا نوديتم للتقرب إلى حضر الرب، والرجوع إليه من يوم الجمعة في مقام الجمع في مسجد جامع القلب بالوارد الخفي؛ فاسعوا إلى ذكر الله القلبي السري الخفي وذروا كسبكم في سوق القالب بمتاع الحياة الدنيوية النفسية بالاشتغال بالذكر القلبي والسري والخفي في تلك الساعة، وترك الأعمال البدنية والذكر اللساني، { خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [الجمعة: 9] حقيقة هذا الحال؛ لأن الأعمال البدنية كانت معبرة لاستجلاب هذا الوقت، فإذا دخل الوقت المطلوب اشتغالك بأسباب وإعراضك عن المقصود يكون في ركاكة العقل، ودناءة الهمة، وخساسة النفس، ويكون مثلك مثل شخص يطلبه السلطان لترقبه إليه، ويجعله نديمه، ويشيره وهو يقول: دعوني لأن أغرس للسلطان شجرة في البستان، وأجتني ثمراتها، وآتي بها إلى السلطان، كيف يضحك أولو الألباب من قلة عقله؟ وكيف يسقط من عين السلطان لدناءة همته؟ والذي نقل عن المشايخ أنهم قالوا: صاحب الورد ملعون لأجل هذا السر، قالوا: لأن الورد معتبر ليحصل منه الوارد، فإذا جاء الوارد وهو يدفعه بورده لا يكون إلا من المبعدين من حضرة الرب، وهم أيضاً قالوا: لا وارد لمن لا ورد له، فالورد مستجلب الوارد وهو المقصود من الورد { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ } [الجمعة: 10] في مسجد جامع القلب بيد الوارد القدسي { فَٱنتَشِرُواْ } [الجمعة: 10] أيتها القوى المؤمنة { فِي ٱلأَرْضِ } [الجمعة: 10] يعني: أرض البشرية { وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } [الجمعة: 10] بالكسب في سوق القالب من الأعمال الصالحة البدنية { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } [الجمعة: 10] باللسان بعد الفراغ عن التوجه في مقام الجمع بالذكر القلبي والسري والخفي { لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الجمعة: 10] أي: تنجون من الكدورات الحاصلة في دار الكسب، وسوق القالب، والذكر اللساني يدفع الكدورات الحاصلة عند الاشتغال بالكسب في عالم الكون والفساد من غبار الطبيعة والفلاح منوط بالتزكية لا تحصيل إلا بالذكر اللساني القوي الخفي على وفق قانون أهل الطريقة بشرط النفي والإثبات { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } [الجمعة: 11] في جامع القلب وقت الحضور مع الرب، إذا رأت القوى المؤمنة عملاً بدنياً أو ذوقاً سمعياً يتركون اللطيفة الخفية في مقام الجمع قائماً في الإمامة، وتركون الاقتداء وخرجوا من جامع القلب إلى سوق القالب للكسب والسماع { قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ } [الجمعة: 11] من المعارف الوهبية والأذواق الحاصلة من العلم اللدني في مقعد صدق { خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ } [الجمعة: 11] من الذوق السمعي { وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ } [الجمعة: 11] أي: من الأعمال البدنية والمعارف الكسبية { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [الجمعة: 11] يرزق القوى القالبية والنفسية والقلبية والسرية والروحية والخفية والحقية بالوسائط والأسباب، ويرزقهم أيضاً غير الوسائط والأسباب من عنده بلطفه وكرمه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فالواجب على السالك أن يعتبر بهذه السورة، ولا يلتفت عند ورود الوارد ونزور الواقعة بالأعمال البدنية ولا بالسماع الصورية البتة حتى يسكن سلطان الوارد ويقضي بالواقعة وطرد من السالك، ثم يرجع إلى عالم الكسب وذكر اللسان ولا يترك العقل والذكر بعد انقضاء مدة الوارد والواقعة، ولو يترك لترك صار متروكاً نعوذ بالله منه...
اللهم اجعلني من المحفوظين المقبولين إليك بالكلية في جميع الأحوال بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه خير صحبة وآل.