التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
١٥
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٦
إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ
١٧
عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١٨
-التغابن

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ } [التغابن: 15]، يعني: استعداداتكم السفلية والعلوية، والأعمال المتولدة من اختياراتكم الوهبية { فِتْنَةٌ } [التغابن: 15]، [أي] شغل عن الحق وذكره، بها يقع الشخص في الشهوات العاجلة الهوائية، وبها يقع في العجب والغرور والإباء والاستكبار، { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [التغابن: 15]، لمن لا يكسب باستعداده الاختيار لهوى نفسه ما لا يرضى به ربه؛ ولكن لا يلتفت إلى قواه القالبية والنفسية وقت الهجرة والجهاد، ولا يغتر بهجرته وجهاده عند الله { أَجْرٌ عَظِيمٌ } مقيم في دار النعيم.
{ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16]، يعني: أيتها القوى الروحانية المؤمنة اتقوا الله من الالتفات إلى أزواج قوى قالبكم، وأولاد قوى أنفسكم وأموال استعدادكم { مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } يعني: بقدر ما أعطيناكم القوة الاختيارية { وَٱسْمَعُواْ }[التغابن: 16]، أمر الوارد { وَأَطِيعُواْ } [التغابن: 16]، حكم اللطيفة المبلغة { وَأَنْفِقُواْ } [التغابن: 16]، من المعارف { خَيْراً لأَنفُسِكُمْ } [التغابن: 16]، ليكون لكم مدخراً في دار إقامتكم، يعني: ينبغي أن ينصح السالك بالمعارف التي أعطاها الله لقواه، وأن يعطي حقوقها على وفق أمر الحق من العلويات والسفليات { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [التغابن: 16]، يعني: أن يعطي حقوقهم، ونفسه مائلة إلى ذلك الحق؛ ليكون شاقاً على نفسه، وبه يحصل التزكية [لنفسه] عن البخل، ومن يعط حق الله القوي ونفسه شحيح صحيح فهو من المفلحين.
{ إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ } [التغابن: 17]، يعني: إن يعط القوى القالبية والنفسية من المعارف القلبية؛ ليهتدوا بها يضاعف الله تلك المعارف لكم { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } [التغابن: 17]، إن كنتم بخلتم بها قبل ذلك عن مستحقها، { وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } [التغابن: 17]، يعني: حلم عنكم فلم يعاقبكم بما سلف، وشكر لكم عل ما أعطيتموه بعد ذلك.
{ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [التغابن: 18]، يعني: يعلم ما في القوى الغيبية من الأوصاف الجيدة والردية، وما على الجوارح من الأعمال الفاسدة والصالحة، غالب على أمره إن شاء يعاقب بها وإن شاء يعفو عنها، حكيم بالعفو والعقوبة، إن يعفو فحكمته، وإن يعذب فبحكمته، فحظ السالك من تفسير بطن هذه الآيات أن لا يبخل عن المريد بأموال الظاهر والمعارف الباطنة بقدر استحقاق المريدين واحتياجهم إليها، وحظ السالك أن يعطي لكل ذي حق من قواها حقها على وفق أمر المولى من الحقوق العلوية الحظوظ السفلية. اللهم اجعلنا من أهل السخاوة والجود لوجهك الكريم بحق محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.