التفاسير

< >
عرض

يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً
١
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً
٢
-الطلاق

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا أيها المطلق أما تعلم أنك مقيد بالأمر والنهي، غير مطلق ما دمت في سجن القالب وقيد الطبيعة محبوساً؛ فإذا أنت تشتهي أن تطلق القوة القالبية - [النفورة] عن قبول الحق، الخائنة في أمانة الأسرار - فاقتف أثر نبيك عليه الصلاة والسلام، وافهم ما قلنا له في الكلام، وبيّنا فيه الحلال والحرام حيث قلنا: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [الطلاق: 1]، يعني: لطهرهن الذي تحصينه من عدتهن؛ فينبغي للسالك أن لا يطلق القوة القالبية بتة البتة، ويطلقها على وجه السنة في الطهر من علة إبائها الحق عند غلبة دم محبة الدنيا عليها، أو حمل خاطر الهوى، وهاتان الحالتان حيضها ونفاسها، والحكمة في تأخير الطلاق إلى وضع الحمل ووقت الطهر: رحمة الحق ورأفة على الخلق؛ فربما ترجع القوة العاصية القابلة بعد خلاصها من دم محبة الدنيا، ووضع حمل خاطر الهوى، كما يقول الله تعالى: { لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } [الطلاق: 1]، وينبغي للمسلك أن لا يطلّق مريداً دخل في حبالة ولايته لترك أدب من الآداب - عند اتساع مجاري شيطانه، لاشتغاله بالاستراحة على خلاف عادته، وتصرف الهوى في باطنه - حتى يطهر باطنه عن هاتين العلتين؛ فربما يتوب إلى الله، ويرجع عن فعله، ويستغفر بين يدي شيخه، ويجعل الله قبوله في قلب مسلكه أكثر مما كان قبل ذلك، { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } [الطلاق: 1]، يعني: عدد أقرائها ليعلم بقاء زمان الرجعة، ومراجعة ومراعاة أمر النفقة والسكنى إذا أراد أن يطلقها ثلاثاً، وإحصاء السالك عدد أقراء القوة القابلة كل يوم خمس مرات في أوقات الصلاة، ومراعاة خاطرها بالخواطر الكليّة المبشرة لها، ومراعاة السكنى أن يسكنها في بيت الرخصة، ولا يشدد عليها بأمر العزيمة، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } [الطلاق: 1] عن التشديد عليها، وإخراجها عن بيت الرخصة كما قال تعالى: { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ } [الطلاق: 1]؛ يعني: ينبغي للقوى الفاعلة أن لا يخرجوهن من بيوتهن أي: القوى القابلة، ولا القوى القابلة يخرجن من بيوت زوجهن ما لم ينقص، وإن خافت من خراب البدن وخراب بيته يكون من شدة غيرة القوى الفاعلة، وغلبة حميتها في شرح السلوك، يجوز للقوة القابلة أن تخرج من بيت الزوج إلى بيت أمها وهي: بيت القالب وبيت الشبهة، وإن دخلت بيت الحرام وهو: الهوى يجب عليها الرجم { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } [الطلاق: 1]، يعني: لا يجوز للقوة الفاعلة إخرج القوة القابلة عن بيتها إلا أن تأتي القوة القابلة بفاحشة وهي الكفر، { مُّبَيِّنَةٍ } بلسانها غير أن تكن في صدورها { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } [الطلاق: 1]، حدود بيّنة على الخلق { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [الطلاق: 1]، فالواجب عليه اتباع الأمر والنهي، والتباعد عن الابتداع في العبادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ" ، و"كل عمل لا يعمل بسنتي فهو بدعة"، { لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } [الطلاق: 1]، يعني: إن كنت لا تخرجها يمكن أن يحدث الله في قلبها توبة وإنابة وندامة على فعلها، وترجع عن فعلها وتستغفر، ويجعل الله في قلبك شفقة عليها جديدة محدثة.
{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } [الطلاق: 2]، يعني: قربن من انقضاء عدتهن؛ { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } [الطلاق: 2]، يعني: راجعوهن باللطف، وعدوهن من الله رحمة ومغفرة، وقوّوا خاطرهن بالخواطر اللطيفة والواقعات القلبية والسرية والرحمية والخفية والتجليات الجمالية، { أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } [الطلاق: 2]، أي: اتركوهن بمعروف يعني: لا تأخذ القوة الفاعلة المعارف الروحانية منها؛ فربما يدخل عليها السرية والخفية ويجعل بعد ذلك على الروح الدخول فيها، وألف بينهما المؤلف الحقيقي، { وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } [الطلاق: 2]، يعني: أشهدوا على الرجعة أو الفراق النفس اللوامة والملهمة، والحكمة في هذا الإشهاد أن اللوامة ربما تلومها فيرجعان، والملهمة ربما تلهمها بالخير [فتعان] { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ } [الطلاق: 2]، يعني: ينبغي أن الشهود يقيموا شهادتهم بالصدق بالله عند قاضي العقل، { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [الطلاق: 2]، يعني: بيّنا هذه الحدود ليتعظ بها القوى المؤمنة المصدقة باليوم الآخر، لئلا يستعجل في الأمور، ولا يظلم على القوى القابلة الضعيفة، وحمل المجاهدة عليها فوق طاقتها، وتتعظ بها القوة المؤمنة القابلة، ولا يأذن للهوى أن يدخل عليها، ولا يأبى أمر القوة الفاعلة بالنشوز، { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [الطلاق: 2]، يعني: من يخش الله من القوة الفاعلة والقابلة، ولا يتعد حدود الله، ويجتنب عن الفواحش، يجعل له مخرجاً من خواطر الشيطان، ومخرجاً من ضيق الهوى.