التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١
قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
٢
وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ
٣
إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ
٤
-التحريم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا أيها المحرّم على نفسك لابتغاء مرضاة اللطيفة القابلة - التي هي زوجك عند مشاهدتها بعد رفع الحجبات المظلمة في أثناء السلوك آيات الأنفسية، وإطلاعها على حصول الحجبات من اللقمات، والاشتغال بالشهوات - ما أحل الله لك من الحظوظ المباحة التي بها يمكن بقاء الحقوق، أما تسمع ما يخاطب ربك به حبيبه عليه السلام في كلامه القديم حيث يقول: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ } [التحريم: 1]، وتحرم ما أحل الله لك بحكمته، وفيه مزيد درجتك وقوة ارتقائك إلى عالم الحق، وبه يمكن التجاوز على عالم الروحانية، أما تعلم أني لا أحب المعتدين كما لا أحب المسرفين؛ فالإسراف إفراط، والاعتداء تفريط، وكلاهما مذمومان، وأنت خير الناس وأحب الخلق علي؛ فكن أمةً وسطاً قائماً على الصراط المستقيم بين الإفراط والتفريط { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [التحريم: 1]، يعني: غفور اللمة التي صدرت عنك بتحريم ما أحل الله لك { رَّحِيمٌ } عليك بأمره، كلوا وأشربوا، ورخصته لك في الاشتغال بالشهوت المباحة المصعدة إلى الحق.
{ قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } [التحريم: 2]، يعني: ما وجب عليكم أن تكفروها إذا حنثتم، والسنة لأجل هذا وردت: بأن الرجل إذا حلف أن لا يتكلم مع والديه، ورأى الاشتغال بذلك خيراً وأحب عند الله فليتكلم؛ وليكفر عن يمينه { وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ } [التحريم: 2]، يعني: نصيركم ووليكم ومعينكم { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } [التحريم: 2]، يعلمكم بعلمه القديم ما كان فيه لكم خير عظيم، وبحكمته خلقكم محتاجين إلى الأكل والشرب والنكاح؛ ليقرب البعيد برحمته، ويبعد القريب بعزته، ويبقي النسل بحكمته.
{ وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ } [التحريم: 3]، يعني: إذ أسرَّ اللطيفة الخفية إلى بعض قوى اللطيفة القالبية { حَدِيثاً } [التحريم: 3]، من الحقائق { فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ } [التحريم: 3]، يعني: تلك القوة بذلك الحديث { وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } [التحريم: 3]، يعني: أطلع الله اللطيفة على ما أنبأت القوة نظائرها { عَرَّفَ بَعْضَهُ } [التحريم: 3]، أي: غضب بما عرف بعضه؛ فلعله من إفشاؤه سره يعني: أخبرت اللطيفة القوة القابلة بحقيقة سر الربوبية المودعة فيها، وبحقيقة سر الخلافة المودعة؛ فما الروح، أو على ترك ما يكن للقوة القابلة لجهلها بحقيقة ما أحل الله لها؛ { فَلَمَّا نَبَّأَتْ } القوة القابلة لنظائرها بترك اللطيفة وتحريمها لابتغاء رضاء القوة القابلة ما أحل الله لها، عرفت اللطيفة إفشاء بعض الأسرار التي سارتها بها معها وغضبت { وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } [التحريم: 3]، يعني: ما أفشت أسرار الربوبية والخلا فة { فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ } [التحريم: 3]، يعني: فلما أنبأت اللطيفة الخفية بما أطلع الله لها عليه { قَالَتْ } [التحريم: 3]، القوة القابلة { مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا } [التحريم: 3]، يعين: من أخبرك بأني أفشيت سرك { قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ } [التحريم: 3]، يعني: نبأني من يعلم ضمائر الصدور وسرائر القلوب وخفايا الأرواح، ويخبر بصفة خبير [تنبيهاً] لمن أراد.
{ إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [التحريم: 4]، يعني: تتوب القوة القابلة ونظيرها إلى الله ويرجعا إلى حضرته بالتضرع والإبهام لئلا تفشيا أسرار اللطيفة الخفية يقبل الله توبتهما { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [التحريم: 4]، يعني: زاغت عن الحق واستوجبت العقوبة حين سرت قلوبكما بتحريم اللطيفة الخفية على نفسها ما أحل الله لها { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } [التحريم: 4]، يعني: تعاونا وتتظاهر على تحريم اللطيفة الخفية على نفسها ما أحل الله لها { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [التحريم: 4]، يعني: أنا وليها وناصرها والقوى السرية والقوى المؤمنة اللوامية والقوى الملهمية الملكية ظهيرها.