التفاسير

< >
عرض

نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ
١
مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
٢
وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ
٣
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ
٤
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ
٥
بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ
٦
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
٧
فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ
٨
وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
٩
وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ
١٠
هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ
١١
مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
١٢
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ
١٣
أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ
١٤
إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٥
-القلم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا صائد نون النبوة في قعر بحر النون بشبكة القالب، لتشويشه في تنور [الناقور] بنار الذكر المروية قلب الذاكر من ملاطفات المذكور، تفكر فيما يقول الله تعالى في كتابه حيث يقول: { نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } [القلم: 1]؛ يعني: بحق النور الذي أودعنا في نون النبوة القائمة بواو الولاية، الثابتة بألف الألوهية، المتصلة بوجود سواده وبياضه في دائرة الأزل إلى الأبد، وهو نور المداد الذي خلقه الله تعالى في دواة روح النون؛ ليكتب بقلم قدرته على لوح العقل ما كان في علمه القديم، وأشار إليه لنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "أول ما خلق الله تعالى في مقام المرادية نوري، وأول ما خلق الله تعالى روحي في مقام الدواتية، وأول ما خلق الله تعالى القلم في مقام الفاعلية، وأول ما خلق الله العقل في مقام القابلية" وظلالها ي عالم السفل العناصر الأربعة؛ فالنار ظل العالم الخفي، والهوى ظل دواة الروح، والماء ظل مراد السر، والتراب ظل لوح القلم؛ يعني: أقسم بنور النبوة.
{ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } [القلم: 1-2] جواب القسم؛ يعني: لست أيتها اللطيفة الخفية المبلغة المذكرة بالنعمة التي أنعمنا في حقك، وهم الوارد القدسي بمجنون فيما تأمر القوى به وتنهاهم عنه، وتتلو عليهم من الآيات البينات مما يرد عليك من الحق، فلا تبال مما تقول القوى المكذبة الحاسدة، { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } [القلم: 3]؛ يعني: في إبلاغ الوالد، والصبر على أذى القوى المكذبة لأجراً غير منقطع أبد الآباد، { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4]؛ يعني: حصلت الأخلاق منا وتأدبت بآدابنا، حيث سمعت منا ما قلنا معك في كتابنا، ولا تكن
{ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ } [آل عمران: 159]، وقولنا: { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [آل عمران: 159]، وقولنا: { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199]؛ يعني لا تشتغل بمكافآتهم.
{ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } [القلم: 5]؛ يعني: ستري أيتها اللطيفة وقت كشف الغطاء، وتبصري أيضاً القوى المكذبة، { بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } [القلم: 6]؛ يعني: بأيكم المفتون الذي فتن به { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }[القلم: 7]؛ يعني: هو أعطاهم الاستعدادات المتصلة والمهدية، { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [القلم: 8]؛ يعني: لا تطع القوى النفسية المكذبة إذا تملقت معك بالمداهنة، { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [القلم: 9] يتمنون أنك تداهنهم كما يداهنوك، وتشتغل أيضاً بأباطيلهم والاستيفاء من الحظوظ النفسانية، وترافقهم وتلين لهم ولا تؤمهم بترك مشتيهات أنفسهم؛ [ليثبوا لك] في المرافقة معك في طلب الحظوظ، لهم أنفسهم.
{ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [القلم: 10]؛ يعني: القوى الحالفة بالله كذباً لتميل خاطرك اللطيفة المذكرة إليها، { مَّهِينٍ } [القلم: 10] ذليل عند الله، { هَمَّازٍ } [القلم: 11]؛ أي: مغتاب، وهي القوة النفسية تغتاب عند اللطيفة قوة القالبية، وتغتاب عند القوى المكذبة القالبية اللطيفة، { مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } [القلم: 11]، وهي أيضاً للقوة النفسية القريبة إلى عالم الصدر، تمشي بنميمة من عالم القلب عند طلب حظها من القوى الفاعلية العلوية، ثم يرجع إلى القوى القابلة القالبية السفلية لطلب حظها من عالم القلب، وتتم اللطيفة المبلغة وأقواها المتابعة لها، { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } [القلم: 12]؛ يعني: يمنع الوارد القدسي في الطريق لئلا صل إلى القوى القالبية ويكدره في عالمه؛ لأن عالم النفس عاجز بين عالم الصدر وعالم القلب، { مُعْتَدٍ } [القلم: 12]؛ أي: ظالم على القوى القابلة، يمنع الوارد وغلظه بالخواطر المكدرة النفسية، { أَثِيمٍ } [القلم: 12]؛ أي: كثر الإثم، فاجر في فعله يمنع الخير عن غيره، { عُتُلٍّ } [القلم: 13] غليظ الوصف، قبيح الخلق، يدفع العنف الوارد لئلا يصل إلى القلب، { بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [القلم: 13]؛ يعني: بعدما وصفناها من الأخلاق الذميمة والأخلاق الكريمة، زنيمة؛ يعني: تنسب نفسها إلى العالم العلوي وليست في ذلك العالم بشيء؛ لأن هذه القوة المنتجة من الهوى لا من الروح.
{ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } [القلم: 14] لا يغرنك بأن كان له استعداد ومعارف هي نتيجة طبعها المكدرة الهودية، بأن لها نسبة إلى الروح { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [القلم: 15]؛ يعني: إن كانت لها نسبة إلى الروح وما كانت زنيمة ولها حظ من المعارف، ما قالت: { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا } [القلم: 15] الأنفسية أنها { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }[القلم: 15]؛ وعرفت حقيقة الوارد النازل من حضرة رب العالمين.