التفاسير

< >
عرض

سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ
١٦
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ
١٧
وَلاَ يَسْتَثْنُونَ
١٨
فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ
١٩
فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ
٢٠
فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ
٢١
أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ
٢٢
فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ
٢٣
أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ
٢٤
وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ
٢٥
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ
٢٦
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
٢٧
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ
٢٨
قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٢٩
-القلم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } [القلم: 16]؛ يعني: سوف يجعل في نفسها وسم سواد فساد اعتقادها؛ لتعرف به بين القوى، لئلا يفتروا بنميمتها ونفاقها ومداهنتها، { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } [القلم: 17]؛ يعني: اختبرناهم كما اختبرنا القوى السالكة المجاهدة على وفق هوى أنفسكم من غير الاقتداء، فتظهر لهم جنة المعرفة النفسانية أعمالهم فاستبشروا بها وظنوا أنهم { لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [القلم: 17] ويتنعمون بها أبد الآباد، { إِذْ أَقْسَمُواْ } [القلم: 17]؛ أي: حلفوا { لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [القلم: 17] ليقطعن ثمر المعرفة، { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } [القلم: 18]؛ يعني: كانوا غافلين عن ذكر الله وأن الأمر بمشيئة الله، معتقدين بأنفسهم غير مقلدين لأهل الحق؟
{ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ } [القلم: 19]؛ يعني: نار الغيرة من الله طافت على جنتهم، { وَهُمْ نَآئِمُونَ } [القلم: 19]؛ يعني: غافلون عن ذكر الله تعالى، { فَأَصْبَحَتْ } [القلم: 20] فجعلت جنتها { كَٱلصَّرِيمِ } [القلم: 20]؛ يعني: كالليل المظلم، { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ * أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } [القلم: 21-22]، فتنادت القوى بعضهم بعضاً في صبح طلع من أفق الصدر أن اغدوا على جنة معارفكم وحرث أعمالكم؛ لتقطعوا وتدخروا بها، { فَٱنطَلَقُواْ } [القلم: 23]؛ أي: انطلقت القوى { وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } [القلم: 23]؛ أي: يتشاورون { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } [القلم: 24]؛ يعني: لا تأذنوا للخواطر المسكينة لئلا يشوِّشهم؛ لأن هذا الخاطر يقول معهم: إن جنة معارفكم ليست بشيء، وحاصلها مثل
{ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً } [النور: 39].
{ وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } [القلم: 25]؛ يعني: [تحركوا] على قصد أنهم قادرون على حرثهم، { فَلَمَّا رَأَوْهَا } [القلم: 26]؛ يعني: جنة معارفهم وحرث أعمالهم، { قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ }[القلم: 26]؛ يعني: لمخطئون الطريق، وهذا مقام إذا وصل إليه السالك ويظن أن أعماله كانت أعمال بدعية هوائية غير مستنة بسنة مقتداه، فشاهد موضع حرثه
{ كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } [يونس: 24]، يقول في نفسه أخطأت الطريق، ليس هذا موضع حرثي، ولا يعلم أنه أخطأ الطرق وقت الزرع؛ فلأجل هذا حرم وقت الحصاد، من ثمرة عمله وزرعه فالواجب على السالك أن يقتدي بمقتداه في جميع أعماله وأقواله، وحركاته وسكناته، لئلا يحرم وقت الحصاد من زرعه، ولا [يتأسف] على ضياع عمله وفوات استعداده، ومضي زمان زرعه، يقولون: ما نحن بضالين ومخطئين الطريق، { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } [القلم: 27] عن نفع زرعنا؛ لتركنا الاقتداء وغفلتنا عن الذكر في الاستثناء، وقصدنا على أن يدخل علينا خاطر السكينة، { قَالَ أَوْسَطُهُمْ } [القلم: 28]؛ يعني: أعلمهم وأخبرهم وأعدلهم من القوة المكدرة، لهم: { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } [القلم: 28]؛ أ ي: هلاَّ تذكرون فتغفلون عن ذكر الرب، { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } [القلم: 18]، { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [القلم: 29]؛ يعني: منزه ربنا عن أن يظلم علينا، بل كنا ظلمنا أنفسنا بغفلتنا عن ذكر ربنا.