التفاسير

< >
عرض

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ
٣٠
قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ
٣١
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ
٣٢
كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٣٣
إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٣٤
أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ
٣٥
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
٣٦
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ
٣٧
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ
٣٨
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ
٣٩
سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ
٤٠
أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
٤١
يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ
٤٢
-القلم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } [القلم: 30]؛ يعني: القوى اللوامة بعد أن ترى آيات الرب نفسها، وهذا ينفع في أثناء السلوك إذا طلع السالك على ظلمة الغفلة عن ذكر ربه وتركه الاقتداء بمقتداه، فيتوب إلى الله ثم يستأنف العمل على وفق الاقتداء، ويترك الغفلة ويشتغل بالذكر؛ ليزرع بعد ذلك على وفق أمر الدهقان الخبير، ويحصد - إن شاء الله تعالى - على وفق مراده عن قريب ذاته، لا ينفع بأن يفرغ عنه الآيات والأدوات، والبذر والأرض، ولا يزيد له من حسرته إلا العذاب الأليم المقيم، اللهم نبهنا من نومة الغافلين واجعلنا من الذاكرين.
{ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } [القلم: 31] في منعنا المسكين، { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } [القلم: 32]، فإذا تابوا إلى الله
{ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [الفرقان: 70]، { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ } [القلم: 33]؛ يعني: هكذا يكون العذاب، فينبغي أن يخالف السالك من مثل هذه الواقعة الهائلة ويرجع إلى الله رغبة ورهبة، { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [القلم: 33]؛ لأن الرجوع في الآخرة إلى عالم الكسب غير ممكن، وفي هذه الواقعة التي رأى السالك إذا انتبه ويرجع إلى الله منيباً تائباً يقبل الله توبته ويبدل الله سيئاته حسنات، فإن لم يلتفت إلى هذه الواقعة الهائلة، ويظن أنها من قبيل الخيالات أو غلبة خلط السوداء يعذب في الآخرة بمثل هذه الواقعة الهائلة، وأشد منها دائماً أبداً بعد نزع الآلات والأدوات عنه.
{ إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [القلم: 34]؛ يعني: الذين اتقوا ربهم متاع الحياة الدنيا، واجتنبوا عنها لهم عند ربهم جنات النعيم من كل ما اشتهت أنفسهم، { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [القلم: 35-36]؛ يعني: نجعل القوى المؤمنة كالمجرمة، لو تظنون أيتها القوى المجرمة هذا منا ساء ما تظنون وجومد ما تحكمون، وظنكم بالدهر مخطئ؛ لأنا خلقناكم لتكونوا باقين أبد الآباد مظاهر اللطف والقهر، فكل من كان مؤمناً مسلماً فهو مظهر اللطف يتنعم أبد الآباد، ومن كان مشركاً مجرماً فهو مظهر القهر يتألم أبد الآباد، { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } [القلم: 37]؛ يعني: هذا الظن منكم بأن دين الدهر عن حق أم من عند أنفسكم، أمن من كتاب جاء من الحق أنتم درستم فيه، { إِنَّ لَكُمْ } [القلم: 38] بعد الجزم { فِيهِ } [القلم: 38]، في ذلك الكتاب { لَمَا تَخَيَّرُونَ } [القلم: 38] لما تختارون وتشتهون، { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } [القلم: 39]؛ يعني: عاهدناكم وأعطيناكم مواثيق إلى يوم القيامة، { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } [القلم: 39]؛ أي: يفعل بكم كما تشاءون وتختارون لأنفسكم بعد افتراق الجزم في دار الكسب.
هذا خطاب مع السالك الذي يتضرع ويبتهل بعد هذه الواقعة ويتمنى أن يكون له بعد هذه الواقعة أحوال حسنة، ولا يفطن بأن نكبته من غفلته وترك الاقتداء لمقتداه، فبقول الله تعالى لمقتداه { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ } [القلم: 40]؛ يعني: أيتها اللطيفة الهادية المهدية سلي عنهم من الكفيل لكم بأن الله يعطي لكم الأحوال السنية، { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ } [القلم: 41]؛ يعني: لهم أرباب غير الله، إن غضب ربكم، أربابكم يشفعون لكم عنده! { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } [القلم: 41]؛ يعني: يأتوا بشفعائكم منهم، { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ } [القلم: 42]؛ يعني: يكشف الغطاء عن شدة، { وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } [القلم: 42] السجود؛ لأنهم استكبروا في دار الكسب عن التذلل للرب، والانقياد للطيفة المبلغة والاقتداء بمقتداهم بقوا مطيعين ظهور عن غاية استكبارهم وإبائهم الحق.