التفاسير

< >
عرض

إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ
١١
لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ
١٢
فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ
١٣
وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً
١٤
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ
١٥
وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ
١٦
وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ
١٧
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ
١٨
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ
١٩
-الحاقة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } [الحاقة: 11]؛ يعني في زمن نوح إذا طغى ماء وجودهم فطغى الماء وسلط عليهم حملناكم في سفية السكينة عند تلاطم البحر الطاغي الوجود، { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً } [الحاقة: 12]؛ أي: عظة وعبرة؛ لئلا يشتغلوا بعد الأخلاق الحاصلة من الماء الطاغي، { وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [الحاقة: 12]؛ يعني: لتحفظها وتبلغها إلى من بعدها؛ لئلا يطغوا ربهم، ولا يعصوا اللطيفة المرسلة إليهم؛ لئلا يعذبوا بالماء الطاغي فما فعلتم بل نسيتموها، { فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ } [الأعراف: 136] بطغيانهم اللطيفة المرسلة إليهم المذكرة لهم.
{ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } [الحاقة: 13-14]؛ يعني: إذا نفخ نفخ الذِّكر اللساني القالبي رفعت الأرض البشرية والجبال المعدنية من أماكنها، { فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } [الحاقة: 14]؛ أي: كسرتا حتى صارتا
{ هَبَآءً مُّنبَثّاً } [الواقعة: 6]، { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } [الحاقة: 15]، والواقعة قيامة الروح، كما أن الحاقة قيامة السر، والساعة قيامة القلب، { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } [الحاقة: 16]؛ أي: ضعيفة مع صلابتها من شدة نفخ الذكر.
{ وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ } [الحاقة: 17]؛ يعني: القوى على أقطار السماء متحيزين مترصدين مراقبين إشارة الرب تعالى، { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } [الحاقة: 17]؛ يعني: يحمل حقيقة العرش الروحاني حقائق الصفات الثمانية فوق القوى القلبية، والذي جاء في الحديث أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة أخر؛ هي أربعة حروف سوادية التي الآن حافظة صورة عرش كلمة الله، فإذا جاءت القيامة أيدهم الله بأربعة حروف بياضية ليحفظ حقيقة عرش كلمة الله في تلك الساعة؛ ولهذا السر تتقي النفوس المتألمة والمتنعمة في العقبى خالدات، وحقيقتها تتعلق بحد القرآن، فاختصرت على هذا الذي بينت لك مما لم يبينه قبلي أحد قط، واغتنم بهذا البيان، واشتغل بالسلوك في الطريقة المستقيمة المسلوكة بالأقدام الثابتة على الصراط المستقيم، وهو متابعة نبيه الكريم صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحاسن الثابتين على الدين القويم، وهم الذين بين ظاهر القرآن وباطنه، وآمنوا بمحكمه ومتشابهة، ومما أوَّلوه من عند أنفسهم برأيهم العليل وعلمهم القليل { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } [الحاقة: 18] الأعمال والخواطر على الله الخبير اللطيف، { لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ } [الحاقة: 18]؛ أي: لا يمكن إخفاء خاطر خفي لا شهاة القوى الباطنة والجوارح الظاهرة على أعمال صاحبها وأفكاره.
{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ } [الحاقة: 19]؛ وهم أصحاب اليمين أهل اليمين والبركة ممن صدقوا اللطائف المرسلة إليهم، وآمنوا بالله واليوم الآخر يقول لهم تعالى: خذوا كتابكم واقرءوا ما في صحيفتكم يقولون فرحين: