التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
{وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 132] فلمَّا رأوا الآيات بعين الجهالة والضلالة رأوها سحراً، وجعلوا الإصرار على الإنكار شعارهم، وهتكوا بألسنتهم في العتو أستارهم، {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ} [الأعراف: 133] فلمَّا توغلوا في فنون المخالفات صب عليهم أنواع العقوبات، فلا في التكفير رغبوا ولا إلى التطهير قصدوا.
{فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} [الأعراف: 133] في أصل الخلقة، فكانت عقوباتهم بصرف قلوبهم عن شهود الآيات والحقائق أبلغ مما اتصل بظواهرهم من فنون البلايا ونعوذ بالله من مكامن المكر، {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ} [الأعراف: 134] وهو الغضب من الله، {قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ} [الأعراف: 134] ولم يقولوا: ربنا إذا لم يهتدوا إلى ربوبيته، وما ازدادوا بزيادة تلك المحن إلا بُعداً وأجنبية، {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} [الأعراف: 134] بأن تدعوه ويجيب لك من فضله، {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ} [الأعراف: 134]؛ يعني: لو انكشف عنا حجاب الغضب والسخط، {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ} [الأعراف: 134] {فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ} [الأعراف: 135]، يعني: صورة الغضب والسخط وهو العذاب، {إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} [الأعراف: 135] فلمَّا رفع عنهم صورة الرجز آمنوا بالصورة لا بالحقيقة، فلمَّا بلغوا أجل المشيئة في إغراقهم نقضوا ما عاهدوا عليه، {فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الأعراف: 136] قهراً وغضباً، {فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} [الأعراف: 136] بأنهم كذبوا بآياتنا في الظاهر وفي الحقيقة، فتكذيبهم من نتائج الغضب الحقيقي، {وَكَانُواْ عَنْهَا} [الأعراف: 136]؛ يعني: من حقائق أحكامنا، {غَافِلِينَ} [الأعراف: 136] فما نفعهم العهد مع الميشئة القديمة، ولا خلفهم العقل مع الإرادة الأزلية.
ثم أخبر عن نتائج العناية لأهل السعادة بقوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ} [الأعراف: 137]، الإشارة فيها: أن العزيز من أعزه الله، والذليل من أذله الله، ومن صبر على مقاساة الذل في الله توجه الله بتاج العزة، ويورثه عزة مذليه ومستضعفيه، كما قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ}؛ أي: يطلبون مذلتهم وهوانهم {مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137] بإخراجها من أيدي الكفار والظلمة والفسقة وايراثها المؤمنين الموحدين الصالحين، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ} [الأعراف: 137]؛ يعني: بالكلمة الحسنى ما قدر لهم في الأزل، قال فيهم: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وقوله: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، فإنه قدر لهم من السعادة بما صبرهم على الشدائد في الدين كقوله تعالى: {بِمَا صَبَرُواْ} [الأعراف: 137] والصبر من أعمال أهل الجنة، قال تعالى: { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } [الإنسان: 12]، {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} [الأعراف: 137]؛ يعني: ببني إسرائيل من الإذلال والإهانة، {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 137]؛ أي: يرفعون بالتكبر والتحيز لأنفسهم، والتعريش: الارتفاع، يقال: عرش الطائر إذا ارتفع بجناحيه على ما تحته.