التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ
١٣٢
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ
١٣٣
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ
١٣٤
فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ
١٣٥
فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ
١٣٦
وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ
١٣٧
-الأعراف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 132] فلمَّا رأوا الآيات بعين الجهالة والضلالة رأوها سحراً، وجعلوا الإصرار على الإنكار شعارهم، وهتكوا بألسنتهم في العتو أستارهم، { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ } [الأعراف: 133] فلمَّا توغلوا في فنون المخالفات صب عليهم أنواع العقوبات، فلا في التكفير رغبوا ولا إلى التطهير قصدوا.
{ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } [الأعراف: 133] في أصل الخلقة، فكانت عقوباتهم بصرف قلوبهم عن شهود الآيات والحقائق أبلغ مما اتصل بظواهرهم من فنون البلايا ونعوذ بالله من مكامن المكر، { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ } [الأعراف: 134] وهو الغضب من الله، { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } [الأعراف: 134] ولم يقولوا: ربنا إذا لم يهتدوا إلى ربوبيته، وما ازدادوا بزيادة تلك المحن إلا بُعداً وأجنبية، { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } [الأعراف: 134] بأن تدعوه ويجيب لك من فضله، { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ } [الأعراف: 134]؛ يعني: لو انكشف عنا حجاب الغضب والسخط، { لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } [الأعراف: 134] { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ } [الأعراف: 135]، يعني: صورة الغضب والسخط وهو العذاب، { إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } [الأعراف: 135] فلمَّا رفع عنهم صورة الرجز آمنوا بالصورة لا بالحقيقة، فلمَّا بلغوا أجل المشيئة في إغراقهم نقضوا ما عاهدوا عليه، { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [الأعراف: 136] قهراً وغضباً، { فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [الأعراف: 136] بأنهم كذبوا بآياتنا في الظاهر وفي الحقيقة، فتكذيبهم من نتائج الغضب الحقيقي، { وَكَانُواْ عَنْهَا } [الأعراف: 136]؛ يعني: من حقائق أحكامنا، { غَافِلِينَ } [الأعراف: 136] فما نفعهم العهد مع الميشئة القديمة، ولا خلفهم العقل مع الإرادة الأزلية.
ثم أخبر عن نتائج العناية لأهل السعادة بقوله تعالى: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ } [الأعراف: 137]، الإشارة فيها: أن العزيز من أعزه الله، والذليل من أذله الله، ومن صبر على مقاساة الذل في الله توجه الله بتاج العزة، ويورثه عزة مذليه ومستضعفيه، كما قال تعالى: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ }؛ أي: يطلبون مذلتهم وهوانهم { مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } [الأعراف: 137] بإخراجها من أيدي الكفار والظلمة والفسقة وايراثها المؤمنين الموحدين الصالحين، { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } [الأعراف: 137]؛ يعني: بالكلمة الحسنى ما قدر لهم في الأزل، قال فيهم: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وقوله: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، فإنه قدر لهم من السعادة بما صبرهم على الشدائد في الدين كقوله تعالى: { بِمَا صَبَرُواْ } [الأعراف: 137] والصبر من أعمال أهل الجنة، قال تعالى:
{ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } [الإنسان: 12]، { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ } [الأعراف: 137]؛ يعني: ببني إسرائيل من الإذلال والإهانة، { وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } [الأعراف: 137]؛ أي: يرفعون بالتكبر والتحيز لأنفسهم، والتعريش: الارتفاع، يقال: عرش الطائر إذا ارتفع بجناحيه على ما تحته.