التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٣٢
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٣٣
-الأعراف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

قوله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } [الأعراف: 32]، يشير إلى أن من يمنعكم من كمالات أخرجها الله من غيب الغيب لخواص عباده من الأنبياء والأولياء، ومن حرَّم عليكم نيل هذه الكرامات والمقامات، فمن تصدى لطلبها وسعي لها سعيها في مباحة له من غير تأخير ولا قصور، وإضافة الزينة إلى الله تعالى؛ لأنه أخرجها من خزائن ألطافه وحقائق أعطافه، فزين الأبدان بالشرائع وآثارها، وزين النفوس بالآداب وأقدارها، وزين القلوب بالشواهد وأنوارها، وزين الأرواح بالمعارف وأسرارها وبالطوالع وأثمارها، وزين الظواهر بآثار التوفيق، وزين البواطن بأنوار التحقيق، وزين الظواهر بآثار الجود، وزين الباطن بأنوار الشهود، وزين الظاهر بآثار الجود، وزين البواطن بأنوار الوجود والطيبات من الرزق، إن أرزاق النفوس بحكم أفضاله، وأرزاق القلوب بموجب إقباله، والطيبات من الرزق على الحقيقة ما لم يكن مشوباً بحقوق النفس وحظوظها، ويكون خالصاً من مواهب الحق وحقوقه.
{ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [الأعراف: 32]؛ أي: هذه الكرامات والمقامات لهؤلاء السادة في الدنيا مشوبة بشوائب الآفات النفسانية، وكدورات الصفات الحيوانية، { خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [الأعراف: 32] من هذه الآفات والكدور كما قال تعالى:
{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } [الأعراف: 43]، { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } [الأعراف: 32] أي: نبين الباطل ونظهر بشواهد الحق، { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [الأعراف: 32] الحق والباطل ونبين لهم الحق.
ثم أخبر عن ما حرم بقوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ } [الأعراف: 33]، الإشارة فيها: أن أعمال الظواهر وأعمال البواطن معتبرة في طلب الحق تعالى والسلوك إليه بقوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ }، والفواحش: ما يقطع العبد عن طريق الرب ويمنعه عن السلوك إليه فيه، ففاحشة العوام: ما ظهر منها ارتكاب المناهي وما بطن خطورها بالبال، وفاحشة الخواص: ما ظهر منها لأمة كل زمان مستحقة لدخول النار.
{ { ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ } [الأعراف: 38]، وإنما قدم الجن عن الإنس؛ لتقدمهم عليهم في الخلقة، وذلك أن الله تعالى لما خلق الجن جعل منه حكمة؛ فمنهم: مؤمن، ومنهم: كافر، فلمَّا استولى أهل الكفر منهم على أهل الإيمان وغلبوهم بالحرب والقتال حتى استأصولهم بعث الله إليهم جنداً من الملائكة، قيل: كان رئيسهم إبليس، فسلطهم الله عليهم حتى أهلكوا جميعهم، ثم خلق الله تعالى آدم عليه السلام بعدهم فخلق منه ذريته فكان منهم كافر: كقابيل، ومنهم مؤمن: كهابيل إلى أن كان في كل زمان منهم أمة كافرة مستحقة لدخول النار، وأمة مؤمنة مستحقة لدخول الجنة حتى الآن وإلى انقراض العالم؛ لقوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } [التغابن: 2].
وقال تعالى: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } [الأعراف: 29-30]، وقال صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول: الله الله" .