التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٤٧
وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ
٤٨
أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ
٤٩
وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٥٠
ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ
٥١
-الأعراف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } [الأعراف: 47] ابتلاء ليريهم أنه تعالى من أي دركة خلصهم؟ وبأي كرامة اختصهم؟ فيعرفوا قدر ما أنعم الله عليهم، ومن هذا القبيل يكون ما سنح لأرباب الكمالات من الخواطر النفسانية، وما ابتلاهم الله بشيء من الدنيا والجاه والقبول والاشغال بالخلق؛ ليعرفوا قدر العزلة والتجريد والأنس مع الله تعالى في الخلوات.
ففي أداء الشكر ورؤية النعمة { قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [الأعراف: 47] بعد أن خلصتنا من أوصافهم وأخلاقهم ودركاتهم ومما هم فيه لا تجعلنا مرة أخرة من جملتهم ولا تدخلنا في زمرتهم، { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ } [الأعراف: 48]؛ يعني: الفريقين، { مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ } [الأعراف: 48] يا أهل النار من الدنيا وزخارفها للخلاص من النار، { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } [الأعراف: 48] عن قول: لا إله إلا الله، ويا أهل الجنة من الطاعات ورؤيتها من الخلاص من الجنة، { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } عن السر في حقيقة لا إله إلا الله.
ثم يقول الله تعالى: { أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ } [الأعراف: 49] يا أهل الجنة، { بِرَحْمَةٍ } [الأعراف: 49] من الوصول والوصال، وذلك أن من المؤمنين والعلماء بعلم الظاهر في بعض الأوقات يقولون لأهل المحبة والمعرفة وأرباب الطلب من دناءة هممهم: إن إحداً منكم لاينال درجة الوصول ومرتبة الوصال ويقسمون على ذلك، ويا أهل النار برحمة من دخول الجنة.
ثم يقول الله تعالى لأصحاب الأعراف: { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } [الأعراف: 49]؛ أي: الجنة المضافة إليَّ في حظائر القدس وعالم الجبروت، { لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ } [الأعراف: 49] من الخروج منها، { وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } [الأعراف: 49] على ما فاتكم من نعيم الجنة؛ إذ فزتم بشهود جمالنا ووجود وصالنا.
فاعلم أن أهل الجنة وأهل النار يرون أهل الله وهم: أصحاب الأعراف بالصورة ما داموا في مواطن الكونين، فإذا دخلوا جنة الحقيقة المضافة إلى الله تعالى في سرادقات العزة وعالم الجبروت انقطع عنهم نظرهم ونظر الملائكة المقربين، فافهم جيداً.
وقد حكي عن أبي جعفر الأبهري أنه دخل على أبي ظاهر الهمداني فقال: أين كنت فإني حضرت البارحة مع الخواص على باب الله فما رأيتك؟ ثم قال أبا طاهر: صدقت كنتَ على الباب مع الخواص، وكنتُ داخلاً مع الأخص فما رأيتني!
ثم أخبر عن مقامات الفريقين بعد تفرد حالات أهل الله بقوله تعالى: { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف: 50] إلى قوله تعالى:
{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [الأعراف: 53]، الإشارة فيها: أنه تعالى بعد ذكر أصحاب الأعراف وما أنالهم من الهمم العلية وأنهم لم يدخلوا الجنة وطمعوا فيما عند الله، ذكر حالة أهل الجنة وأهل النار ومعالهم وإنهم على قدر هممهم فيما يتناظرون على ما يتفاضلون.
فقال تعالى: { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } [الأعراف: 50]؛ يعني: من الطعام، فإنهم كما كانوا في الدنيا عبيد البطون حريصين على الطعام والشراب، حتى ماتوا على ما عاشوا فيه فحشروا على ما ماتوا عليه، وإن أهل الجنة لمَّا أطالوا الجوع والعطش في الدنيا وإنما جوعوا بطونهم لوليمة الفردوس كان اشتغالهم في الجنة بشهوات الأنفس ومضايقهم بها، { قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [الأعراف: 50]، وفي الحقيقة: إن الله حرَّمهما عليهم حين حرَّم عليهم توفيق معاملات تورثهم الجنة وما فيها، وهم { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً } [الأعراف: 51]، عند عدم التوفيق للطاعة اتخذوا الدنيا وشهواتها دنياً، يعبدون الدنيا ويلعبون فيها، وباللهو يشتغلون، { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } [الأعراف: 51]، وزينتها عن الله وطلبه وعن الآخرة والسعي لها، فقال تعالى: { فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ } [الأعراف: 51]، واليوم هو يوم اللقاء.
{ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } [الأعراف: 51]؛ أي: نسوا طلبنا وطلب ما عندنا لما كان عندهم من الدنيا، { وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ } [الأعراف: 51]؛ يعني: بما كانوا ينكرون على أهل كمالات الدين، ويجحدون بما أعطيناهم من الكرامات والمقامات.