التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً
١٤
وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً
١٥
وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً
١٦
لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً
١٧
وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً
١٨
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً
١٩
-الجن

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ } [الجن: 14]؛ أي: منا من سلم نفسه إلى ملكه - وهو الطليفة - تسليماً حقيقياً، ومنا الجائر الذي ظلم على نفسه بترك التسليم لمسلكه واختياره متشهىً وفق هواه؛ { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } [الجن: 14]؛ يعني: من صار مستسلماً لشيخه وترك اختيار نفسه قصد طريق الحق والرشاد وتوخاه، { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ } [الجن: 15] الذين اتبعوا أهواءهم وخالفوا مولاهم وظلموا أنفسهم بمتابعة هواهم والتلذذ بالشهوات العاجلة؛ { فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [الجن: 15] أنهم جمعوا حطباً في دار الكسب، وأوقدوا نيران الكبر والحسد حتى صار وجودهم القالبي حطباً، وقواهم النفسية نيراناً فيعذب في دار البوار بتلك الحطب والنار أبداً.
{ وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } [الجن: 16]؛ يعني: إن كانت القوى استقامت على طريق العدل والاستقامة في الطريق واجبة لمن أراد وجه الله تعالى { لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً } [الجن: 16] المعرفة كثيراً؛ يعني: أسقيناهم من ينبوع العلم الكثير الماء، المعرفة كثيراً؛ يعني: أسقيناهم من يبنوع العلم الكثير، لا من ينبوع العلم القليل، والعلم الكثير هو: اللدني الفائض من رب العلم الجليل، والعلم القليل: هو الذي يحصل من الفكر بالرأي العليل؛ { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [الجن: 17] وهذا مقام الابتلاء؛ يعني: نمتحنهم بالعلم اللدني إن أفشوا سره عند الأغيار؛ { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } [الجن: 17]، وإن ستروه وأدوا حق الأمانة؛ يقربه إلى مقام القربة الزلفى، ويزيده من المعارف الذاتية ما لم يطلع عليه أحد.
{ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } [الجن: 17]؛ يعني: من يعرض بعد الاطلاع على المعرفة الذاتية عن ذكر ربه عند المسترشدين فوق طاقتهم { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } شاقاً على نفسه، { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } [الجن: 18]؛ يعني: مساجد القلوب بنيت في عالم الأنفس لله، فلا تدعو في تلك المساجد مع ذكر الله أحداً؛ يعني: لا تأذن للخواطر الصادة لك عن ذكر الله في دخولها في قلبك، وأكثر تقرر القلب يكون؛ لأجل أن الذاكر يأذن للخاطر الدخول في أثناء الذكر فاحذر أيها السالك عن الخواطر في الذكر القلبي.
{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } [الجن: 19]؛ يعني: إذا أرادت اللطيفة الخفية أن تقوم في مسجد القلب وتشتغل بذكر الله يجمعون عليه الخواطر المتشعّبة جمعاً؛ ليشوشوها ويبطلون توجهها.