التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً
٨
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً
٩
وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً
١٠
وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً
١١
وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً
١٢
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً
١٣
-الجن

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً } [الجن: 8]؛ يعني: خواطر الحق يحرسون بماء الصدر حراسة شديدة وشبهاً؛ يعني: من نجوم خواطر السر والخفى، { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [الجن: 9]؛ فمن يرد منا أن يستمع يصل إليه من رجم الشهاب.
{ وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ } [الجن: 10]؛ يعني: يرجم الشهاب؛ لئلا يسمع من أمر السماء شيئاً ليستفيد بها لا تدري أن الله أراد بمن في الأرض البشرية شراً { أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } [الجن: 10] بحراسة السماء فحظك أيها السالك من هذه السورة أن يبقى وقت ورود الوارد؛ لئلا تسرق منه القوى النفسية، وتلبس فيها المعاني الخبيثة، ويلقي بها إليك بعد فتور الوارد ظن أنه الوارد بما فيه من معاني الوارد لمسترقة، وتلتفت إليه ويسد عليك باب الوارد الأعلى بالتفاتك إلى معاني القوى النفسية، وأكثر من هلك من أهل السلوك من اليونانية والنصرانية الشكمانية بهذه المعاني الملتبسة بالوارد.
لأنهم إذا اشتغلوا بالسلوك، اشتغلوا بربهم غير متشبثين بعروة نبي من الأنبياء ليرشدهم في الغيب، ويطلعهم على الحق والباطل، ويهديهم إلى القوى المستخلصة، ويعرفهم خاصة القوى الملوثة؛ فإذا أصغوا وجودهم بالرياضة قويت القوى النفسية، وصعدت إلى سماء الصدر، واسترقت من المعارف الربانية، ونزلت إلى عالمها، وكملت مع صاحبها فظن صاحبها أنها وارد غيبي ترده من عالم الرب على قلبه واطمأن بها، واستدرج منها حتى صار إماماً في ملة الشيطان راعياً للأمم إليه، وهو خليفة خاص الشيطان والحكماء القديمة اليونانية والرهابين المرتاضة بالنصرانية وحكماء الهند الذين أنهم ظنوا الوصول إلى المأمون حين قالوا: إنا ناصر برخاناً، والبرخان بلغتهم: الواصل إلى الرحمن، وهم يقولون في أثناء السلوك، وفي الوصول بالاتحاد.
وها جئنا معهم وألزمناهم بلطف الله وحسن توفيقه ومعونيته حتى أسلموا وآمنوا، ثم بعضهم ارتدوا وماتوا على الكفر بأنهم أقروا بأن الاتحاد باطل؛ فأما الأئمة المهدية الذين اعتصموا بحبل نبي من الأنبياء واشتغلوا بالسلوك، أمنوا من هذه الورطة الوعيرة بأن استحكمت عقدة إرادتهم، ذلك بولاية ذلك النبي حتى دخلت نوبة النبوة المحمدية الناسخة لجميع الأديان لكمال أدرج الله في نبوته، أغلق المسرفون باب سمعهم بالشهاب الثاقب من أوج ولاية رسالته؛ فمن دخل في زمرة متبعيه، واشتغل بالسلوك على وفق إشارته سلم من القوى الخبيثة النفسية وأمن من إلقائها، وينبغي للسالك ألاَّ يغتر بأنه يقول على اللسان: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، بأنه ممن يجوز له السلوك؛ لئلا يغتر بجبة الغرور في شبكة المغرور؛ لأن التشكيك أمر يختص بولاية الرسالة وينبغي أن يكون المسلك حياً في عالم البشرية؛ ليهديك إلى الصراط المستقيم، ويقرئك الخواطر ومنشأها، والمسلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو إلى الذي كان وصاه بالأسرار، وعلمه كيفية الوصول إلى عالم الأنوار وأصله إلى حضرة الله الواحد القهار، وهو أرشد مريده ووصاه كما وصاه نبيه وعلمه وأوصله إلى الآن معنعناً متصلاً؛ لتمكن الاستفادة من قلبه وقالبه صورة ومعنى، ويدفع عن نفسه كيد قطاع الطريق، ويسهل عليه العبور على مكامنهم بقوته وهمته وذكره.
{ وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } [الجن: 11]؛ يعني: منا القوى الصالحة المصدقة، ومنا القوى الفاسدة المكذبة لقوانا المتفرقة طرائق مختلفة باختلاف الطبائع المتضادة التي ركزت فينا، { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } [الجن: 12]؛ يعني: علمنا يقيناً بعد استماع القرآن من اللطيفة التالية أن لن تفوته إن أراد ربنا الحق أمراً في أرض البشرية، ولا نطيق أن نهرب منه إن طلبنا.
{ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ } [الجن: 13]؛ يعني: الوارد والهدى الذي فيه { آمَنَّا بِهِ } [الجن: 13]، وصدقنا اللطيفة التالية فيما تلت علينا؛ { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } [الجن: 13]؛ يعني: من يصدق الرب، ويؤمن به فلا يخاف بخساً ورهقاً؛ أي: نقصاً من المعرفة ولا نكرة وظلمة تغشاه بحيث يدين على قلبه.