التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ
١
قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً
٢
نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً
٣
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً
٤
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
٥
إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً
٦
إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً
٧
وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً
٨
رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً
٩
وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً
١٠
وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً
١١
إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً
١٢
-المزمل

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا أيها المتأمل في إبلاغ الوارد، والمزمل بكساء النفس عند هبوب رياح اللطيف البارد حرارة نيران النشوة الشارد لذة الرقاد، عن العين الطارد جند الشهوات عن الباطن، وغماء لأنف الشيطان الماردة تفكر في سورة المزمل حيث قال الله تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } [المزمل: 1-4]؛ يعني: أيها المتلفف بكساء النفس عند وجدان برودة الوارد قم في غلبة أنوار الجلال للتقرب إلى الله الملك المتعال، والتوجه بالكلية إليه خاصة في تلك الحالة إلى أن يطلع صبح الجمال من أفق الصدر، وإن غلب عليك الملال وعلى جوارحك الكلال فاسترح قليلاً نصفه أو ثلثه أو ثلثين.
واعلم أن الله لا يمل حتى تملوا فتقرب إليه بالنشاط { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [المزمل: 4]؛ يعني: تثبت فيه تثبيتاً، وتدبر في قصصه تدبيراً، وتفكر في أوامره ونواهيه تفكراً تاماً والتقط من در حكمته سلاماً، وتلذذ بأذيال رحمة الله عند قراءتك آية الرحمن بمطالعتك آيات ألطاف البر التواب، وقد جاء في الحديث الصحيح المروي عن سيد الأحباب أنه قام بآية من القرآن ليلة ومراوده أبو ذر وإن تلك الآية كانت
{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [المائدة: 118]، فاعتبر من جولان سره في ميدان هذه الآية الجامعة لأسرار مظاهر اللطف والقهر وأسراره من حد القرآن، ولا تعبر على الآيات كعبور الغافلين كما ذكرهم تعالى في كتابه حيث يقول: { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [يوسف: 105]، وتيقن أن كل آية من آيات القرآن كنز من كنوز الرحمن فيه جواهر ودرر لا تحصى.
فاغتنم بتسيير القرآن على اللسان وكشف بيانه على الجنان، وعندي أن من يقدر على اقتطاف ثمرة من ثمراته يستنكف التلذذ بثمرات الجنان، تيقظ فتفكر { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [المزمل: 5]؛ يعني: ثقيلاً في العمل والوزن والقدر؛ أي: عمله ثقيل على الأبدان، وثوابه في الميزان، وقدره عظيم عند الرحمن، والموارد ثقل إذا يرد على السالك في البداية كأن السماء وقعت عليه، ولا يحسب أن ثقل الوارد يوازي ثقل الوحي ولا عشر عشيره، روت عائشة رضي الله عنها "رأيته ينزل عليه في اليوم الشاتي الشديد البرد فينفصم عنه وأن جبينه يتفصد عرقاً" وهو صلى الله عليه وسلم في القوة بمرتبة، قيل في حقه أن الله أعطاه أربعين ضعف قوة أعطاها الله لموسى بن عمران وهو أقوى الأنبياء.
{ إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } [المزمل: 6]؛ يعني: الثلث الأخير هي أجدر للقانتين أن يتوجهوا إلى الله فيه؛ لأن في تلك الساعة أخذت النفس حظها من النوم، ولها نشاط في الطاعة، والوقت وقت نزول الرب إلى السماء الدنيا، وأصوب للتقرب إلى الرب، وأصح للقراءة دائم، وأتم إخلاصاً في القيام، وأكثر بركة في تلك الساعة المباركة التي يمتد سلطنة الجلال إلى آخرها، وقرب طلوع صبح الجمال والدعاء والتضرع والابتهال، وأرجى للاستجابة؛ لأنه يقول:
"هل من داع فأجيبه، هل من سائل فأعطيه" .
{ إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } [المزمل: 7]؛ يعني: إن اللطيفة في نهار تجلي الجمال متصرفاً في القوى، وإقبالاً وإدباراً في قضاء الحقوقية مما فرض عليها أداؤها وقضاؤها، كما جاء الحديث "إن لنفسك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً" في عالم الأنفس؛ وهي القوة القالبية، وإن لزوجك عليك حقاً في عالم السر الخفي، وأداء هذه الحقوق لا يمكن إلا في تجلي نهار الجمال، { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [المزمل: 8] بعد الصلاة في الليل اشتغل بذكر لا إله إلا الله، وأخلص في الذكر لله إخلاصاً، وانقطع إليه في الذكر انقطاعاً كلياً وهذا من خاصية الذكر، فالواجب عليك أن تشتغل بذكر الله في ناشئة الليل مخلصاً في ذكرك منقطعاً عن ذكر غير ربك.
{ رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } [المزمل: 9] على قراءة من يقرأ بأن يكون على نعت الرب؛ يعني: رب مشرق شمس الروح في عالم الأجسام، ومغرب شمس الإيمان في عالم الأرواح، وفي هذا سر يتعلق بحد القرآن، { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [المزمل: 9] ليس وجود يستحق لأن يكون معبوداً إلا هو، { فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } [المزمل: 9]؛ يعني: فوض إليه أمرك؛ لأنه قيم بأمورك قبل شعورك بوجودك، فالآن أيضارع التدبير إلى من خلقك تستريح؟
{ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } [المزمل: 10] القوى الجاهلة بألاَّ يقوم بأمرنا، { وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } [المزمل: 10]؛ يعني: لا تؤتهم عنك، ولا تلتفت إلى ما يقولون فاهجرهم بالقلب، وخالطهم بالقالب، { وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ } [المزمل: 11]؛ يعني: دعني والقوى المكذبة بالوارد باللطيفة المنذرة أولي النعمة؛ يعني: بالاستعدادات التي أنعمنا بها عليهم، { وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } [المزمل: 11]؛ أي: زماناً قليلاً في الدنيا؛ ليزيدوا في شقاوتهم الموعودة لهم.
{ إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً } [المزمل: 12]؛ يعني: قيوداً عظاماً هي نتيجة صفة بخلهم، { وَجَحِيماً } [المزمل: 12].