التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ لاَ وَزَرَ
١١
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ
١٢
يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ
١٣
بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
١٤
وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ
١٥
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
١٦
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
١٧
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ
١٨
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
١٩
كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ
٢٠
وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ
٢١
-القيامة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

فأما البالغون يشاهدون آيات الرب ويفرحون بها ولا يخافون منها، بل يحبون من شجرة كل آية ثمار معرفة الصفات، { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } [القيامة: 11]؛ أي: حقّاً لا مهرباً لكم من هذا المقام ولا حصن لكم؛ لأن الحصن الذي كنتم تتحصنون به في هذا اليوم خربتموه في دار الدنيا، وما التفتم إلى ما بلغت اللطيفة إليكم عناً: أن لا إله إلا الله حصني يؤمن من عذابي ما دخلتم فيه وما اشتغلتم بعمارته، فاليوم لا حصن لكم ولا حرز ولا ملجأ، أما تعلمون أن الله تعالى قال في كتابه: { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } [الذرايات: 50]، فلما فررتم إليه في دنياكم من أعادي شيطانكم وهواكم، ووافقتم أَعداءكم وخالفتم مولاكم فليس لكم اليوم المفر.
{ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } [القيامة: 12]؛ يعني: مستقر الخلق ومرجعهم إلى ربهم كما يقول:
{ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } [العلق: 8] إلى ربك المنتهى، { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [القيامة: 13] من عمل صالح أو فاسد، وبعبارة أخرى بما قدم لنفسه من مكتسباته وبما أخر لورثته من مخالفاته المنحة للورثة والمحنة له، { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } [القيامة: 14]؛ لأن جوارحه وحواسه عددوا أعماله خيرا كان أو شرّاً، فإذا كشف الغطاء في ذلك اليوم حُدِدَ بصره ووجد جميع أعماله حاضرة عنده.
{ وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } [القيامة: 15]؛ أي: لو أرخى ستور قالبه فهو بنور قمر قلبه وضياء شمس روحانيته يشاهد في ذلك اليوم مكتسبات لا تستره ستور قالبه، ولا يخفى خلف ستور الاستعدادات الجسمانية عمل أعماله؛ لأن القوى الجسمانية والروحانية كانوا شاهدين عليه بما عمل في دار الكسب، { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } [القيامة: 16] أيتها اللطيفة المبلغة لا تحرك بالوارد لسانك لتعجل بالوارد ويجذب الوارد إليك بالعجلة؛ لأن العجلة من الشيطان؛ يعني: اترك اختيارك وألقي سمعك، ولا تحرك لسانك عند نزول الوارد، { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [القيامة: 17]؛ يعني: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان قبل ورود الوارد، فكلما أنا أنزلناه من غير شعورك واختيارك فعلينا أن نجمعه في صدرك، ونيسر على لسانك قراءته.
{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } [القيامة: 18]؛ يعني: إذا أنزلناه فاسمع ثم اتبع قراءته، ولا تعجل ببيانه، ولا تقل من نفسك معناه، { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة: 19] فكلما إنا أنزلنا الوارد فعلينا أن نبين عليك معناه ونيسر على لسانك بيانه، { كَلاَّ } [القيامة: 20]، أي: حقّاً لا ينفع البيان لمجيء الدنيا؛ لأنهم { بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } [القيامة: 20-21] هم يحبون الشهوات العاجلة لنفوسهم ولا يصبرون على تركها، لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، وهم القوى القالبية والنفسية الغالبة على القوى الروحانية واستردافها للهوى.