التفاسير

< >
عرض

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ
٢٢
إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
٢٣
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ
٢٤
تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ
٢٥
كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ
٢٦
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ
٢٧
وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ
٢٨
وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ
٢٩
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ
٣٠
-القيامة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } [القيامة: 22]؛ يعني: إذا برق البصر يرى وجوهاً مسرورة منظرة منعمة بمشاهدة جمال وجه الرب، { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 23] بلا حجاب كلما ينظر إلى نضارة وجه الناظر وقرارة عينه وحق لها تنظر وتفر، وكلما تزيد نضارة الوجه وقرارة العين يتنعم بمشاهدة جمال وجه الرب أكثر من الأول؛ لأن حسن جماله بلا نهاية، والناظر بقدر قرارة عينه يقدر أن يشاهد ذلك الجمال، فكلما يزداد قربه يزداد حسن جماله في نظره ولأجل هذا لا يستريح الواصلون من العمل بعد وصولهم إلى الأصل و { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } [الصافات: 61]، وعلى هذه المشاهدة { فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } [المطففين: 26] فعلامة الواصل إلى هذا المقام في الدنيا زيادة عشطه عند شرب ماء مشاهدته، فكلَّما يزداد عطشه إلى أبد الآباد، وسر هذا الحرف يتعلق بحد القرآن، فاجتهد في أن تصل إلى هذه الكرامة العظيمة في الدنيا؛ لأن استيفاء حظك منها مع الآلات والأدوات يزيد نفعاً فما يرى بعد نزع الآلات والأدوات.
{ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } [القيامة: 24]؛ أي: عابسة كالحة مغتنمة قبيحة مكدرة من سوء أعمالهم، وقبح أفعالهم، وكدورة أخلاقهم، { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } [القيامة: 25] يظن أحد إن أراها أن إصابتها واهية، وهو بنفسه رأى وجهه ويتألم من مشاهدة وجهه القبيح العابس، ولا بد له من مشاهدته؛ لأنه كبسه لنفسه بنفسه، وهو غمر غائب عنه لمحة، بل صار عين وجوده القبح والألم، وهذا من العذاب الأليم نعوذ بالله منه.
{ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } [القيامة: 26]؛ يعني: حقاً إذا بلغت روح كل واحد ترقونه، { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } [القيامة: 27] ولا راق له إلا الحق، { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } [القيامة: 28] ويتيقن صاحبه بأن لا راق له، وإن لا بد له من فراق الدنيا وهجرانها، { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } [القيامة: 29]؛ يعني: من الهيبة والشدة المتتابعة، وهذه حالة سيشاهدها السالك في أثناء سلوكه وقت ظهور قياسته، واشتغاله بما لا يعنيه في اليوم الذي وقعت له هذه الوا قعة وهذه من أصعب الحالات، فينبغي للسالك إذا رجع في واقعته يستغفر مما كان عليه قلبه. { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } [القيامة: 30] لا ينفع لف الساق بالساق عن ساقه إلى ربه؛ لأن حضرة الرب مرجع الكل يساق الناس إليه شاءوا أم أبوا.