التفاسير

< >
عرض

وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً
١٤
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ
١٥
قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً
١٦
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً
١٧
عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً
١٨
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً
١٩
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً
٢٠
-الإنسان

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا } [الإنسان: 14]؛ يعني: يرون في الجنة أشجار أعمالهم الصالحة قريبة إليهم ظلالها، { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } [الإنسان: 14] أي: سخرت قطوف أثمار المعارف من أشجار الأعمال تسخيراً، بحيث شاءوا أكلوا منها، وأينما مشوا مشوا، { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } [الإنسان: 15] { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } [الإنسان: 16]؛ يعني: يطاف عليهم قواهم المطر بآنية نياتهم الثابتة، مثل القصعة في الصلابة وأكواب استعدادهم الوسيعة الصافية؛ مثل الزجاج وشبهه بالزجاج؛ لأن الزجاج يخرج من الحجر، ويشعل النار تحته؛ لتحرق أجزاءه الباطلة الكثيفة، كما كان حال القالب فهو مثل الحجر، فينبغي أن يشعل صاحبه نار الذكر؛ ليخرج منه خبائبه وكشائفه حتى يصير آنية صافية لطيفة، وشبهه بالفضة؛ ليكون آمناً من الكسر صلابة استعدادهم مثل الفضة، وصفاؤهم ورقتهم الزجاجة يصف أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه نفس المؤمن أنها أصلب من الصلد وأذل من العبد { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } [الإنسان: 16]؛ يعني: قدروا كؤوس استعدادهم على قدر رتبتهم تقديراً معيناً لا يزيد على مقدار شربهم، ولا ينقص عنه فطوبى لاستعدادتهم الغير متناهية، { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } [الإنسان: 17]؛ يعني: يسقون أيضاً من كأن استعدادهم الممزوجة بزنجبيل الشوق يسكن زمهريراً الحرص والبخل والكسل، الحال المعنوي { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } [الإنسان: 18]؛ يعني: يسقون بهذه الكؤوس الممزوجة بنزنجبيل الشوق من العين السلسبيل، وهو عين خلقه الله تعالى في جنة قالب الإنسان الصافي المزكى عن الحظوظ والأباطيل لها ماء بردة مثل الكافر، وهو برد العقود وحرارة مثل حرارة الزنجبيل حتى تسكن برد الكافور، وريحه مثل ريح المسك، ولا يحصل هذه العين إلا لمن اعتدل مزاجه في الدنيا بترك الحظوظ، وإعطاء الحقوق أياه والتوجه إلى الحق في كلتا الحاليتن؛ ليحصل من ترك الحظوظ برد الكافور، ويكسب من إعطاء الحقوق حرارة الزنجبيل، ويجد من التوجه ريح المسك، فإن كنت عملت في الدنيا بهذا الذي شرحته لك، فمن قريب تسقى من عين السلسبيل.
{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } [الإنسان: 19]؛ يعني: منثوراً في خدمتك وشبهه باللؤلؤ؛ لصفاء القوة التي ربّيت في صدف القالب في بحر الدنيا، وأصل اللؤلؤ وهو القوة المصفاة من قطرة قطرة من سماء الصدر، كما يقول الله تعالى: { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } [الإنسان: 19] { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } [الإنسان: 20]، حتى إذا رأيت في جنة قالبك ولدان قواك المصفاة رأيت باقياً خالداً، وملكاً كبيراً من عندي، وهذا المقام ينبغي أن يقرأ لا يروى بعد هذا النعيم { وَمُلْكاً كَبِيراً } [الإنسان: 20]؛ يعني: جمال يتولد، ويقرأ سكون اللام ليس له معنى غير جمال الرب العظيم إن مشاهدة الرب هي الملك الكبير.