التفاسير

< >
عرض

عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً
٢١
إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً
٢٢
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً
٢٣
فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً
٢٤
وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
٢٥
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً
٢٦
-الإنسان

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ } [الإنسان: 21] نصب على الظرف { خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ } [الإنسان: 21]، صفة الثياب وإشارته إلى قوله: { عَالِيَهُمْ } [الإنسان: 21] أشارة إلى: علو همتهم في الدنيا، وتركهم للباس الفاخر تذليلاً لأنفهسم، وتواضعاً لربهم في مقام العبودية، وإشارة إلى لون الخضرة إشارة إلى حصول حياتهم الطيبة والخضرة لون الحياة، وهي أحب الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، { وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } [الإنسان: 21]؛ لأنهم ما دنسوا في الدنيا أيديهم بأخذ الحرام والإعطاء بالباطل رياء وسمعة والسؤال من غير الحق؛ فصارت هذه الصفات لهم أساور في الدار الباقية الأخروية، { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [الإنسان: 21] جزاء لا يمدوا أيديهم إلى الخمر الحرام في الدنيا يسقيهم ربهم في العقبى شراب المعرفة طهوراً من الشك والوهم والظن، فمن شربه لم يبق في قلبه غش وغل وحقد وحسد؛ يعني: يطهر القلب من هذه الصفات المكدرة ماذا رأيت قلبك اليوم على هذه الصفة، فبشر نفسك بشرب من شراب الطهور غداً، ومن لا يلتفت إلى غير الحق في الدنيا، فيبشر نفسه بأن يسقيه ربه على يد لطفه شراب معرفته { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً } [الإنسان: 22]؛ أي: جزاء ما علمتم في الدنيا، { وَكَانَ سَعْيُكُم } [الإنسان: 22] في دار الدنيا { مَّشْكُوراً } [الإنسان: 22] عند الله بأنكم كنتم شاكرين نعمة الله، فإذا شكرت نعمة الله فاعلم أنك عند الله، { مَّشْكُوراً } [الإنسان: 22] وإن رضيت عنه، فاعلم أنه راض عنك فانظر قدر الله في قلبك فعلى قدر ذلك يكون قدرك عند الرب، أيها المسكين الغافل أما تقرأ القرآن، وأما تعلمه { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [الحديد: 4] والله أنت الجنة، وأنت النار، وأنت الدنيا، وأنت العقبى، ومعك ما تشتهي وتتمنى من العقاب والثواب، ولو لم تقرأ كتابك فما تنفعك قراءة الكتاب، وسماع الخطاب، وعتاب رب الأرباب { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } [الإنسان: 23]؛ أي: نجماً نجماً ليثبت به فؤادك، ولو أنزلناه جملة واحدة ما كنت تحمله، { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } [الإنسان: 24] على الأحكام المحددة النازلة عليك على سبيل الخواطر، وترك مشتهيات النفس { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } [الإنسان: 24]؛ يعني: لا تطع القوة الآثمة القالبية والقوة الكافرة النفسية في ترك الصبر، والاشتغال بالشهوات العاجلة، { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [الإنسان: 25] ذكر الرب في بكرة الروحانية، وأصيل الجسمانية بدفع كيد القوة الآثمة الكافرة { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ } [الإنسان: 26]؛ يعني: إذا أسدل ليل النكرة ذيله على وجه نهار المعرفة تواضع للرب { وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } [الإنسان: 26] ونزهه عن معرفتك له في طول ليل النكرة؛ لأن ليل النكرة يسدل ذيله على وجه نهار المعرفة حينما لرؤية المعارف مخوفاً إياه، ووقتاً لتسكين القلب عند استيلاء أنوار المعرفة بحيث يريد أن يذهب ببصر عقل المعارف إن لم يسدل ليل النكرة ذيله على وجهه، وفي ليل النكرة للمعارف استراحة وسكون، وربما يكون لتربية ثمرة المعرفة، ففي كل حال ينبغي أن يتواضع فيه للرب، ويسبحه بأمره فسبح.