التفاسير

< >
عرض

عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً
٦
يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً
٧
وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً
٨
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً
٩
إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً
١٠
فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً
١١
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً
١٢
مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً
١٣
-الإنسان

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ عَيْناً } [الإنسان: 6]، والأصح أن يكون نصباً على المدح يعني: أعني عيناً { يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } [الإنسان: 6]؛ وهي عين المعرفة يشرب بها عباد الله بعد كأس الاستعدادات التي { كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } [الإنسان: 5] يطفئ نيران الشهوة والغضب والبغض والكبر، وأخواتها الحاصلة من امتزاج القوى غير المزكاة بعضها ببعض، والشراب المصبوب في { كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } [الإنسان: 5] من حبِّ الجلال المعنوي، وعن المعرفة الحاصلة عند التجليات الجلالية المعنوية { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } [الإنسان: 6] كلما أخذوا من العين يريد انفجار العين، ويمشي معهم حيث مشوا في عالم الآثار والأفعال والذات.
{ يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } [الإنسان: 7]، هؤلاء العباد الشاكرون أوفوا بنذرهم في دار الكسب، ونذرهم ألا يشتغلوا بذكر غيرنا ولا يلوثوا ألسنتهم بذكر غيرنا وهم،
{ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [النور: 37]، مشغولون بذكر الحق مؤتمرون بأمره حيث قال { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [البقرة: 152]، فذكروه حتى صاروا مذكورين له بعد أن كانوا ذاكرين { وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } [الإنسان: 7]؛ يعني: تبلى السرائر، ويطير عمل كل امرئ بصحابه إلى مستقره الذي عمده صاحب العمل بعمله في دار الكسب، { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } [الإنسان: 8]؛ يعني: على محبة الحق لا من خوف العقوبة، ولا رجاء الثواب والجزاء، { مِسْكِيناً } [الإنسان: 8]؛ يعني: خاطر السكينة، { وَيَتِيماً } [الإنسان: 8] خاطر القلب، { وَأَسِيراً } [الإنسان: 8]؛ يعني: خاطر الروح يطمعون هذه الخواطر الذكر على محبته المذكورة خاصة غير متوقعين جزاء ولا شكوراً.
{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } [الإنسان: 9]، { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } [الإنسان: 10]، إنا نخاف من اللطيفة الربوبية السكينة في قالبنا يوماً أظلم فيه شمس الروح، وقمر القلب وكوكب الحواس، ونجوم القوى فصار يوماً عبوساً على صاحبه، وهذا يشاهد وقت تقرر ذكر الرب عن القلب الغافل عن الرب، وفي ذكر القمطرير شدة الكرب، وهو عند تقرر القلب السليم عن الذكر الذي يجري على لسان ملوث بالغيبة، والكذب والفحش، ومما لا يعنيه { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ } [الإنسان: 11]؛ لمخافتهم من ذلك اليوم والتجائهم إلى الحق بصدق النية، { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } [الإنسان: 11]؛ يعني: نضارة وجوه أحوالهم، ومسرة في قلوبهم وأسرارهم، { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } [الإنسان: 12] مكابدة نفسهم وجهادهم الأعداء يعني: القوى القالبية والنفسية حتى إطعامهم المسكين، واليتيم والأسير، { جَنَّةً وَحَرِيراً } [الإنسان: 12] جزاء النفس الجنة وجزاء القلب الحرير يعني: القوى القالبية والنفسية الصابر على ترك مشتهاها لوجه الله، { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا } [الإنسان: 13] نصب على الحال { عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } [الإنسان: 13]؛ أي: على أرائك الرحمة، { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } [الإنسان: 13]؛ يعني: حراً وبرداً؛ لأنهم كانوا معتدلين في الأمزجة في دار الكسب ثابتين على الصراط المستقيم غير ذائقين إلى طرفي الإفراط والتفريط.