التفاسير

< >
عرض

رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً
٣٧
يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً
٣٨
ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً
٣٩
إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً
٤٠
-النبأ

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [النبأ: 37] بدل من ربك؛ يعني: جازى العباد في سماوات أطوار القلوب، وفي أرض استعداد الباقية القالبية من أنواع النعم بما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وتقر عين القلب من مشاهدة وجه الرب، { وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ } [النبأ: 37]؛ يعني: رب سماوات أطوار القلب وأرض استعدادات الباقية القالبية وبينهما من الصفات بالنفسانية المزكوة { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } [النبأ: 37]؛ يعني: لا يقدر أحد على خلق السماوات والأرض وما بينهما أن يكلمون الرب إلا بإذنه.
{ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ } [النبأ: 38] في ذلك اليوم في حضرة الرب، { وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً } [النبأ: 38]؛ يعني: الروح الإنسانية إلا خليقة الرب في مملكة الوجود وملائكة قوى السر والقلب المطيعون لأمر الرب، { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [النبأ: 38]؛ يعني: لم يرد من عرش وارد الإشارة لم يقدر قوة من القوى أن يخاطب الرب، وإذا خاطب بأمره وإذنه، { وَقَالَ صَوَاباً } [النبأ: 38] كما قال في الدنيا قول: "لا إله إ لا الله" وقال: { صَوَاباً }[النبأ: 38] حقاً صدقا.
{ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ } [النبأ: 39]؛ يعني: يوم الفصل يوم حق وقوعه، { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } [النبأ: 39]؛ يعني: بعد تقرير ذلك اليوم، وتبيين أحواله وأحوال الخلق فمن شاء السلامة والسعادة اتخذ إلى حضرة الرب، وآب إلى [خدمته] آيباً تائباً { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } [النبأ: 40] إنا أعلمناكم أيتها القوى القالبية والنفسية عذاباً قريباً إليكم، بل عذاباً هو لا ينفك عنكم ساعة، بل هو من كسبكم بحيث صار وجودكم، ولكن من كثافة الحجب ورمد عيونكم لا تبصرونه اليوم، فلما كشف الغطاء وصار البصر حديد اليوم { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } [النبأ: 40]؛ يعني: ينظر إلى ما كسبت يداه وقدمت لنفسه إلى الدار الباقية خيراً أم شراً، { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ } [النبأ: 40] في ذلك اليوم بعد اطلاعه على ما قدمت يداه من الشر، { يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } [النبأ: 40] يعني: فاقداً قوة الإدراك كما كنت قبل التركيب ولا ينفعه هذا الندم؛ لأنه كسب قوة الإدراك الباقية الدائمة الأبدية المؤلمة له في الآخرة أبد الآباد، فيا أيها الكاسب اكسب اليوم في دار الكسب لطيفة باقية متنعمة؛ لتتنعم بها أبد الآباد مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
اللهم اجعلنا من الصالحين بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجمعين.